وممن أوذي أيضاً وناله قسط كبير من الأذى والابتلاء في سبيل الله بلال بن رباح الحبشي، وأمه اسمها حمامة رضي الله عن الجميع، كان طاهر القلب، صادق اللسان، قوي الإيمان، عميق الإسلام، وكان سيده أمية بن خلف، يخرجه إذا حميت الظهيرة -وكانت مكة من أشد البلاد حرارة، حتى يتحاشا الناس المشي فيها حفاة؛ لأنها تحرق أرجلهم- ثم يجرده من ثيابه، ثم يضعه على البطحاء التي هي مثل النار، ثم يؤتى بصخرة عظيمة قد حميت مثل حمى الأرض فيضعها على صدره، ثم يقال له: لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فكان وهو في هذا البلاء العظيم يردد: أحدٌ أحد أحدٌ أحد أحدٌ أحد، لا يهمه أن يناله ما ناله في سبيل الله، ولذلك بلغ رضي الله عنه وأرضاه منزلة عظيمة من الإسلام، كان يحبه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر بن الخطاب يقول:[أبو بكر سيدنا، وأعتق بلالاً سيدنا].
عمر المخزومي يجعل بلالاً سيداً، رغم أنه في ميزان الناس عبد، لكنه في ميزان الإسلام والإيمان والدين سيد، بلغ درجة جعلت عمر المخزومي يجعله سيداً من سادات المسلمين رضي الله عنه وأرضاه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له:(إيه بلال، ما الذي تصنع؟ فوالذي نفسي بيده، إني لأسمع خشخشة نعليك في الجنة قال: لا شيء يا رسول الله، غير أني كلما أحدثت توضأت، وكلما توضأت صليت لله ركعتين) لأن الوضوء سلاح المؤمن، وأنت مخلوق للعبادة، وما دام أنك مخلوق للعبادة، فيجب أن تكون مستعداً باستمرار للعبادة، وتكون مستعداً باستمرار للعبادة بالوضوء، بحيث إذا أردت تصلي إذا بك متوضئاً، وإذا دخلت فريضة إذا بك متوضئاً، المهم أنك دائماً على طهارة، وبعد ذلك إذا توضأت وصليت ركعتين، صار نور على نور، فالصلاة نور والوضوء نور، ولهذا كان هذا العمل العظيم الذي يفعله هذا الرجل العظيم، وأقره النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم فيعتبر من سننه صلى الله عليه وسلم بالإقرار.
يقول بلال أعطشوني يوماً وليلة، ثم أخرجوني فعذبوني في الرمضاء في يوم حار.
وعندما رآه أبو بكر في هذه الحالة، ساوم سيده على شرائه، فاشتراه وأعتقه رضي الله عنه وأرضاه.