ثم أيضاً: يعود الكفر، وتعود العقوبات، ويسلط الله سبحانه وتعالى الريح العقيم على قوم هود، وهي قبيلة من قبائل العرب كانت تسكن في الربع الخالي، اسمهم: عاد، وكان لهم سطوة، وعندهم قوة، وكانوا مثل النخل في طولهم وأجسامهم، وكانوا ينحتون الجبال بأصابعهم، ينحتون الجبال فتصير بيوتاً، وكانوا إذا بطشوا بطشوا جبارين.
فبعث الله إليهم هوداً، ودعاهم إلى الله، فكذبوا أمر الله، وكذبوا دينه وشرعه، فسلط الله عليهم الريح، وفُتِح عليهم من ريح جهنم قدر منخار ثور، وشبّك الرسول صلى الله عليه وسلم شبك بين إصبعه وإبهامه، وهذه الريح اسمها: العقيم، والعقيم هو الذي ينجب، وهذه ريح إذا مرت لا تترك شيئاً:{مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}[الذاريات:٤٢].
وجاءت هذه الريح وهبت عليهم، وكانت تقتلع الرَّجُل من الأرض، ثم ترتفع به إلى السماء، ثم تلقيه من السماء إلى الأرض، يقول عز وجل:{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}[الحاقة:٧ - ٨]؟ لا.
سلط الله عليهم هذا بعد أن رأوا الريح وهي آتية من هناك، وكانت سوداء، والعرب إذا رأوا الريح سوداء قالوا: هذه محملة مطراً، فهم على الخمر، والزنا، والكفر، والشرك، ويرون الريح فيقولون:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}[الأحقاف:٢٤] قالوا: المطر جاء، قال:{بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}[الأحقاف:٢٤ - ٢٥].