للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من آثار نعمة الإيمان]

قد يقول قائل أو يسأل سائل: ما أثر هذه النعمة؟ قد يتصور بعض الناس أن أثرها فقط في الآخرة، أما الدنيا فإنها تمنع الشهوات، وتقيد الإنسان وتمنعه عما يريد، وهذا فهمٌ خاطئ واعتقادٌ باطل؛ إذ أن أثر نعمة الإيمان معك في الدنيا ومعك في الآخرة، يقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء:١٣٤].

إذا أردت ثواب الدنيا العاجلة تجده عند الله، وفي دين الله، لكن إذا ما أخذت الدين ضيعت الدنيا وضيعت الآخرة، خاسر من ليس له دين، وقد يقول قائل: كيف خاسر؟ نقول: الله يقول في القرآن: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ} [العصر:١ - ٢] من الإنسان؟ أنا وأنت وكل إنسان على وجه الأرض، يقسم الله بالعصر وهو الدهر والزمن: {وَالْعَصْرِ} [العصر:١] {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:٢] كيف هو في خسر؟ خسران وأنا صاحب عمارة، خسران وأنا صاحب وظيفة، خسران وأنا في منصب، نعم خسران! كيف؟! الآن الخسارة في معروف الناس هو أن يمتلك الإنسان شيئاً ثم يفقده، هذه تسمى خسارة، بنى عمارة وانهدمت هذه خسارة، أو اشترى سيارة وانصدمت! خسارة، أو حفر بئراً وطاحت! خسارة، تزوج بزوجة وماتت! خسارة، المهم توظف في وظيفة وفصل منها! خسارة، هذه الخسارة في الدنيا.

إذاً عند الموت ما الذي يحصل للإنسان؛ إذا كان موظفاً يخرج من وظيفته، وإذا كان في عمارة ينكس من عمارته، وإذا كان معه ملايين يخرج من ملايينه، هل يبقى معه شيء عند الموت؟ أليس هذا بخاسر؟ خاسر.

الملك عند الموت وهو في آخر لحظة من حياته قبل أن يموت، هل يستطيع أن يشكل الوزراء، أو يقيم الحروف، أو يعمل أي شيء بعد الموت؟ لا شيء، انتقل المُلك لغيره، كل إنسان عند الموت خاسر.

{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:٣] الذين آمنوا بعد الموت يربحون الآخرة، ولذا إذا أردت أن تكون رابحاً فعليك بالإيمان، حتى لا تموت وليس لك عمل، إذا كنت تخسر الدنيا؛ لأنك تموت منها، تخرج منها كما تخرج الشعرة من العجين؛ فلا تخرج من الدنيا خاسراً بحيث تخسر الدنيا وتخسر الآخرة، كن رابحاً عند خروجك من الدنيا، فإذا خسرت الدنيا تربح الآخرة.

إذا أودعوك في الحفرة المظلمة، وتخلوا عنك، ورفضك أولادك وأهلك، وأموالك تقتسم من بعدك، وما معك من الدنيا شيء وإذا بالجنة تستقبلك، وإذا بالعمل الصالح يمهد لك، وإذا بقبرك يصير روضة من رياض الجنة، وإذا بالملائكة تستقبلك وتفرش لك فراشاً من فراش الجنة، لماذا؟ لأنك من الذين آمنوا وعملوا الصالحات.