[تفجيرات الرياض وما وراءها من مفاسد]
السؤال
ما هو التوجيه حيال التفجير الذي حدث في الرياض؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
حادث التفجير الذي وقع قبل عدة أشهر لو كان حادثاً جنائياً يقع من أناس عاديين ما كان لنا حياله شأن؛ لأنه جريمة والجرائم يمكن أن تقع، لكن الحادث هذا بالذات مهم؛ لأنه انطلق من منطلق فكري وعقدي، إذ جرى فيه تضليل وخداع الذين قاموا به وإقناعهم أنه عمل جهادي ومشروع، وهنا الخطورة والمصيبة، حين تضلل مفاهيم الشباب المسلم، ويقنعون بأفكار تتنافى مع أصول أهل السنة والجماعة، الذي نعرف أن كل أحد من أهل هذا البلد بالذات لا يحب إلا أن يكون من أهل السنة والجماعة، أليس كذلك؟ هل يوجد أحد يريد أن يكون من أهل البدعة والضلال؟ لا.
ولكن المصيبة أن بعض الناس يريد أن يكون من أهل السنة والجماعة وهو لا يفهم مناهج ولا أصول ولا معتقدات أهل السنة والجماعة، ويأتي بمفاهيم ليست من مفاهيم أهل السنة والجماعة، نعم هناك الخوارج والرافضة والمعتزلة وكثير لهم مفاهيم وأصول ومناهج، أما أهل السنة والجماعة فلهم أصول ولهم مناهج ولهم معتقدات خاصة.
فالعمل الذي حصل ليس من مفاهيم ولا أصول أهل السنة والجماعة، بل يختلف معه اختلافاً كاملاً ويتنافى معه، والتوجيه حياله من عدة أمور: أولاً: قبل البدء فيه: نحن في هذا البلد بالذات ننعم بنعم عظيمة لا ينعم بها مثلنا على وجه الأرض، ويدلل على هذا: حرص الملايين من البشر في جميع دول الأرض على أن يشاركونا في هذه النعمة، لا يوجد بلد فيه أجانب في الدنيا مثل ما في بلدنا، لماذا؟ لا يوجد خير في بلادهم؟ لا.
فبعضهم يوجد في بلده فرص عمل مثلنا أو أحسن، لكن لماذا يفضل أن يعيش هنا بالذات؟ ليحصل له الأمن والطمأنينة التي يفتقدها في أي بلد آخر، فالإنسان ليس بحاجة إلى أن يأكل ويشرب ويسكن، لا.
هو يحتاج إلى أمن، وسكينة، وطمأنينة، فهذه غير موجودة، يقول لي أحد الزملاء المهندسون في شركة الكهرباء وقد ذهب إلى بلده لقضاء إجازته يقول: جلست شهراً في بلدي بالسيارة ورجعت بالسيارة يقول: والله ما نمت ليلة إلا وأنا في قلق، إلى أن دخلت حدود المملكة العربية السعودية، وما إن تجاوزتها حتى شعرت براحة ونزلت عند أول مقهى ونمت نومة شعرت فيها بلذة النوم وبالأمن.
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [النحل:١١٢] هذه تنطبق على هذا البلد {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل:١١٢] نعوذ بالله من هذه الثانية {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢] نحن في هذه البلد ننعم بنعم عظيمة، وأي محاولة لزعزعة الأمن وخلخلة هذه النعم مرفوضة وهي محاولة آثمة؛ لأنها تتصادم مع أهداف الشريعة، أهداف الشريعة التي جاءت في الكتاب والسنة، تحفظ للناس خمس كليات: الدماء: فقد حرم الله القتل وشرع القصاص.
الأعراض: حرم الله الزنا وشرع حد الزنا.
الأموال: حرم الله السرقة وشرع قطع يد السارق.
العقول: حرم الله الخمر وشرع حداً لشاربه.
الدين: حرم الله الردة (من بدل دينه فاقتلوه).
هذه الكليات الخمس ننعم بها في هذا البلد وبأعلى قدر ومستوى، فدماؤنا محقونة، وأعراضنا مصونة، وأموالنا محفوظة، وعقولنا محفوظة، وديننا محفوظ، أنريد أن نغير -أيها الإخوة- فيغير الله ما بنا؟!! لا والله.
الأمر الثاني: إذا أراد الإنسان تصحيح أخطاء موجودة، فإن التصحيح يجب أن يكون على منهج أهل السنة والجماعة، وعمليات التخريب والتفجير هذه ليست من أساليب أهل السنة والجماعة؛ لأنها عمل إفساد وليست عمل تصحيح، فالذي يريد أن يعمل عملاً إصلاحياً لا يرتكب فساداً حتى يصحح شيئاً، الإصلاح إصلاح، ولا يترتب على الإصلاح إفساد، فإذا ترتب على الإصلاح إفساد كان الإفساد الذي جاء به أعظم من الإفساد الذي جاء من أجل تصحيحه، فما موقفك -أيها المسلم- في المجتمع الذي نعيش فيه؛ مجتمع المملكة العربية السعودية؟ أولاً: موقف المسلم في الدرجة الأولى هو تصحيح وضعه مع الله، وهداية نفسه أولاً وتصحيحها بإقامة الإسلام فيها عن طريق العقيدة السليمة، والعبادة الخالصة، والسلوك المستقيم، والتعامل الحسن، والبعد عن الحرام -وترك المحرمات التي ذكرناها في المحاضرة- هذا أول شيء عليك أنت وهذه مسئوليتك، وإذا قدرت عليها فأنت داعية، ومن دعا نفسه فقد دعا، وقد حصل له خير كبير.
ثانياً: تنتقل من دائرة النفس إلى دائرة الأسرة، أمك وأبوك وإخوتك وأهلك وبنوك، وهذه مسئولية لا يقوم بها غيرك، فمن تتوقع أن يدخل من الشارع إلى أمك وأبيك فيدعوهم؟ وإذا فشلت أنت في دعوة أبيك وأمك، فمن يؤدي دورك عنك؟ بعض الشباب يقول: أبي ليس فيه خير، لا.
أبوك فيه خير ولكن أنت نفسك ما عرفت كيف تخرج هذا الخير، وبعضهم يقول: أمي ليس فيها خير أبداً، والرسول يقول: (خيركم خيركم لأهله) وأمك وأبوك من أهلك، ويجب أن يكون فيك خير لأهلك، وإذا كنت صادقاً مع الله وتحمل النور الحقيقي فلا بد أن يستفيد منك أمك وأبوك، وقد لا يستفيد منك في سنة أو سنتين أو ثلاث أو أربع، ولكن هذه مسئوليتك، انصرف إليها، ولو أن كل شاب حمل هذا المنهج وأصلح نفسه وأمه وأباه وأخواته وإخوانه وأسرته القريبة منه لما احتجنا إلى دعاة.
لكن بعض الناس ينهزم أمام أمه وأبيه وزوجته وأولاده فينعكس انهزامه في أن يصل إلى المجتمع فيكفر الناس ويقول: الناس كلهم ما فيهم خير، وهو الذي فيه خير فقط، يتصور أن الخير عنده والناس ما عندهم خير، وهذا من أسوأ ما يمكن أن يقع فيه الإنسان.
ثالثاً: إذا استطعت أن تنتقل من دائرة أهلك وبيتك، انتقل إلى الدائرة الأوسع؛ دائرة عملك: إذا كنت طالباً مع أصدقائك، أو كنت موظفاً مع الموظفين، أو كنت مدرساً مع المدرسين، انظر إلى المدرسين وخذ واحداً منهم، واعمل معه علاقة زره أقنعه بالدين يهديه الله خلال سنة سنتين تبعث يوم القيامة مبعث الأنبياء، هذا هو واقعك.
فما هو موقفك في المنكرات الموجودة في المجتمع؟ الشرع ما ترك الأمر -أيها الإخوة- ولا يوجد جزئية من جزئيات الدين إلا وهي موضحة، بين لنا الشرع كيف نغير المنكرات، وأخبرنا أن المنكرات تغير بأحد ثلاثة أساليب: الأسلوب الأول: اليد.
وهذا لولي الأمر ومن منح صلاحية، ليس الأمر فوضى، فلو ترك تغيير المنكر لكل واحد يرى منكراً فيقوم ويغيره مباشرة، لتحولت الحياة إلى فوضى، لكن الشرع نظم، أي: أن تغيير المنكر بالنسبة للمنكرات العامة إنما يقع على جهة ولي الأمر، وهو المطلوب من أن يغير المنكر، فإذا لم يغير أثم، لكن أنت لزمك أن تبلغ، فإذا لم يقبل تبليغك فقد برئت ذمتك، أما أن تذهب وتقول: أنا بلغت وما غيروا، إذن أنا أغير، لا.
إذاً تقع في المنكر ولا يجوز لك.
إذا كنت في بيتك غير بيدك؛ لأن بيتك مملكتك، إذا كان في بيتك منكراً من يمنعك أن تغير بيدك؟ لكن الشارع ليس ملكك، والمحلات العامة ليست ملكك، والإدارات ليست ملكك، بلغ ولي الأمر، والجهة التي أنيط بها هذا الأمر، فإن لم تستطع بيدك وهذا الذي يحصل فبلسانك، وهذا الذي نستطيعه.
الأسلوب الثاني: باللسان.
ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، لا أن تمر على مرتكب المنكر وأنت محدق في عيونه كأنك تريد أن تأكله، حتى ذلك يظن أنك لا تريد أن تهديه، ولكن يظنك عدواً له، ولكن ابتسم له حتى ولو لم تكن صادقاً ولكن من أجل أن تدخل قلبه، فالابتسامة هذه مثل البنج للمريض، فالذي يريد أن يضرب إبرة للمريض ماذا يصنع؟ يضع له بنجاً حتى لا يشعر بدخول الإبرة.
فكذلك أنت تريد أن تدخل الإيمان إلى قلب هذا العاصي، فتجيء وتقول له: أنت عاصٍ، وصاحب منكر، وما فيك خير، يقول لك: وأنت ما فيك خير، ويقوم ليضاربك، لكن إذا أتيته وقلت له: السلام عليكم، كيف حالك يا أخي؟ بارك الله فيك، الله يوفقك، الله يرشدك، أنت من أهل الخير، ووجهك مملوء بالإيمان، حتى ولو كنت لست بصادق، أقل شيء يقول لك إذا دعيته: جزاك الله خيراً.
وهنا قلت الكلمة وانتهى منها، ويجيء الثاني ويقولها، ويجيء الثالث ويقولها، ويجيء الرابع، فيقول صاحب المنكر: الناس كلهم يقولون بأني على منكر، أما أستحي؟ فيستحي ويترك المنكر.
الأسلوب الثالث: بالقلب.
إذا لم تستطع عند العجز فبقلبك، إذا أنكرت بقلبك عند العجز برئت ذمتك، مهما كانت المنكرات والله يعلم أنك تكرهها ولا تحبها، ولو كان بيدك إنكارها لأنكرتها، فإن الله عز وجل يعفيك عن مسئوليتها ولا يلحقك من جهتها إثم.
حسناً ما موقفك تجاه ولي الأمر؟ هنا -أيها الإخوة- مكمن الخطورة، في أن بعض الشباب لا يعرف منهج أهل السنة والجماعة في قضية التعامل مع أولي الأمر.
قضية التعامل مع ولي الأمر قضية مهمة، وأصل من أصول أهل السنة والجماعة؛ قرروه وأكدوه، وما من كتاب من كتب السنة التي ألفها العلماء والمحققون من أهل السنة إلا وفيها باب: طاعة ولاة الأمور.
لماذا يقيدون طاعة ولي الأمر: هل لأن الأئمة يريدون من ولي الأمر مالاً، أو منصباً أو شهادة أو أي شيء؟ لا.
لكنهم يتعاملون معه من منطلق الشرع، وأصول أهل السنة والجماعة؛ لأن قضية التعامل مع الولي لا تحكمها المصلحة والمنفعة، ولا قضية الحب ولا الكراهية، فبعض الناس يقول: أنا أكره ولي الأمر أو أنا أحبه، أو أنا ما لقيت منه شيئاً، فمسألة تحبه أو تكرهه أمر يخصك، سواء أعطاك أو منعك هذا لك، لكن نحن نطالبك بما طالبت به الشريعة، فقد طالبت الشريعة بثلاثة أشياء تجاه ولي الأمر: الأول: مطلوب منك إن كنت صاحب هدى وسنة أن تدعو له، يقول الإمام أبو الحسن محمد بن علي البربهاري وهو عالم من أئمة أهل الس