وجعل الله في رأس الإنسان الأنف ووظيفته الشم، والسماح بدخول (الأكسجين) والهواء إلى الجسم، ولكن حتى يبقى مفتوحاً باستمرار جعله الله من غضروف؛ لأنه لو كان لحمة لانطبقت، وإذا كنت تريد أن تتنفس فعليك أن تفتحها لكن لو وضعت عودين في أنفك، وانسد لمت، فالله جعلها غضروفية مفتوحة، ولم يجعلها عظماً؛ لأنه لو جعلها عظماً وأتيت لتمتخط كيف تفعل؟ فجعلها غضروفاً وعليها لحم مقوى قليلاً فتعتصر ويعتصر معها المخاط ويخرج منك الأذى، لكن لو كانت عظمة فإنك لا تقدر أن تعصر العظم وتخرج المخاط منه، فتضطر أن تأخذ عوداً وتدخله إلى أنفك لتخرج الأوساخ التي فيه.
وبعد ذلك جعل الله تعالى في هذه الأنف شعيرات وخلايا دموية مكثفة، من أجل أن تقوم بعملية تكثيف وتغيير وتحسين درجة حرارة الجو الخارجي ليتناسب مع درجة حرارة الجسم، ولذا ترون في أيام البرد درجة حرارة الهواء الخارجي مثلاً (٢٠ أو ١٥ أو ١٦) درجة، وأحياناً في الليل تكون (١٠) ويمكن أن تكون (٨ أو ٧) درجات، لكن درجة حرارة الجسم ثابتة (٣٧) درجة في الظروف العادية، وفي حالة المرض ترتفع إلى (٣٨) أو (٤٠)، وإذا وصلت إلى (٤٢) درجة قد يموت فيها الإنسان، فإذا كانت درجة حرارة الجسم (٣٧) درجة، ودرجة حرارة الهواء الخارجي (١٥) درجة واستنشقت الهواء حتى يدخل إلى رئتك، يجب أن يكون موازياً وقريباًَ من درجة حرارة جسمك وإلا أصبت بنزلة مثل المروحة، فماذا يصنع الجسم؟ يقوم الأنف هذا بتدفئة الهواء البارد، ولهذا تشتغل الشعيرات الدموية وتتحرك أكثر من اللازم، ولذا ترون الإنسان في الليالي والأيام الباردة يحمر أنفه؛ لاشتغال الدم فيها، فالشعيرات الدموية عندها حركة قوية لتدفئة الهواء الخارجي حتى لا يتعارض مع الهواء الداخلي فيحصل لك مصيبة بهذا، ولهذا بعض الناس عندما يجلس في غرفة البيت وقت العشاء أو في سمرة مع أهله والجو دافئ جداً قد تكون درجة حرارة الغرفة أربعين، الدفاية من هنا والنار من هنا وهو ملتحف بالشملة، ثم يدعوه فيقوم ويرمي بالشملة ويخرج، فيصيبه الهواء، فماذا يحصل له؟ مرض، ما سببه؟ أن الهواء دخل إلى جسمه بأقل من ذلك، وبسرعة مفاجئة لم يتمكن الأنف من التدفئة فحصل للإنسان نزلة، يسمونها نزلة شعبية، أو نزلة هواء، أو نزلة حادة.
فهل تريد أن يجعل لك الله كل يوم مرضاً، على أساس أنه ليس هناك شعيرات؟ لا، ركبَّ الله لك أنفاً من الغضروف وعليها لحم مكثف وفيها شعيرات دموية؛ لأجل أي هواء تشمه أو تستنشقه وهو بارد تدفئه هذه الشعيرات ويدخل جسدك وهو موازٍ وقريب من درجة حرارة جسدك فلا يحصل لك المرض.
هذه حكمة، أم ليست بحكمة؟ من فعل هذه الحكمة بالضبط؟ يقولون: الطبيعة.
من الطبيعة؟ ابنة من هي هذه الطبيعة؟ ما شكلها؟ قالوا: الطبيعة، الطبيعة عندنا هي الأرض، طبيعة الأرض التي نركلها بأرجلنا، الصماء البكماء العمياء، هل يمكن للطبيعة هذه أن تخلق هذا الشيء؟ وبعد ذلك أتخلق هذا الإنسان الغريب الأطوار، الغريب المراحل؟ وبعد ذلك أتخلق كل إنسان له شكل مختلف عن الآخرين؟ الآن العدد السكاني للأرض والعالم بأكمله تقريباً (٤ مليار) لكن هل يمكن أن تجد في (٤ مليار) اثنين سواء؟ لا تجد، يمكن أن تجد متشابهين في الشكل لكن تعال واختبرهم في الذكاء، ترى أن نسبة الذكاء عند هذا غير نسبة الذكاء عند هذا، تجد هذا آماله غير آمال هذا، وآلام هذا غير آلام هذا، ومشاعره غير مشاعر هذا، كل شخص من الناس له عالم مستقل بذاته، فمن يستطيع أن يشكل ويصور ويعمل كل هذه؟ وبعد ذلك هؤلاء (٤ مليار) بعد مائة سنة يستبدلون بجدد، فبعد مائة سنة لن يكون على وجه الأرض واحد من هؤلاء الموجودين الآن، أي: الذي ولد اليوم بعد مائة سنة ليس موجوداً فضلاً عن الذي هو موجود من قبل سنتين أو ثلاث أو أربع أو عشر أو ثلاثين أو خمسين أو أربعين مثلي، بمعنى: أنه يصير تبديل للناس كل مائة سنة، والنادر لا حكم له، يمكن أن يعمر شخص في القبائل كلها فيصير عمره مائة وخمس سنوات أو مائة وعشر سنوات، وهذا شاذ، والشاذ لا حكم له.