ما معنى قول الله عز وجل:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:٩]؟
الجواب
الشح أقصى درجة من درجات البخل، والعياذ بالله، والبخل من أسوء الصفات التي يتصف بها الرجل، والسخاء يغطي كل عيب في الرجل، والبخل يفضح كل مكرمة في الرجل، ولهذا من صفات الله أنه كريم، ولما خلق الجنة قال:(تكلمي قالت: قد أفلح المؤمنون، قال: بعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل) فلا تكن شحيحاً ولا تكن بخيلاً، ولا تكن مقتراً؛ لأن درجات البخل ثلاث، بخيل ومقتر وشحيح، فالبخيل هو الذي إذا عزم رجلاً قدم له من الطعام ما يكفي نصف واحد، يعطيه نصف قرص وما يكفي إلا قرص، أعطاه نصف قرص، هذا بخيل والذي أخس منه المقتر الذي يصنع له ربع قرص، والشحيح من يعزم الآخرين، ويقول: ما عندنا شيء، والبيت مليء، أصعب شيء عليه أن أحداً يأكل في بيته، ولهذا سئل شخص شحيح، قالوا: من الشجاع في نظرك؟ قال: من سمع وقع أضراس القوم على رغيفه ثم لم يتفطر قلبه، يقول: هذا أشد الأبطال، الذي ما ينقطع قلبه حين يسمع الناس يهرسون في قرصه، فهذا بطل، والعياذ بالله، فالله سبحانه وتعالى ذم هذه الصفة، وبين أن الذي يوقى ذلك فقد أفلح، قال الله عز وجل:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ}[التغابن:١٦] أي من يكفيه هذه الصفة ولا يكون عنده شح {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التغابن:١٦] لأن الفلاح يأتي نتيجة الكرم.
أيضاً الكرم فيه شيء ممنوع؛ لأن الكرم ثلاث درجات، كرم وهو ممدوح، وتبذير وهو ممقوت، وإسراف، فالمبذرين إخوان الشياطين، والمسرف:{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:٣١] هؤلاء من هم، وكيف تفصيلهم؟ فالكريم هو الذي يعزم الرجل ويقدم له طعام رجل فقط.
والمبذر: هو الذي يعزم رجلاً ويقدم له طعام رجلين، والمسرف: -وكلنا في هذه الدرجة- من يعزم رجلاً ويقدم له طعام ثلاثة.
الآن يعزم الواحد ويقدم له طعام مائة، أي نعم، إذا قيل له: قال: الزاد للعيون ما هو للبطون، وهذا كذب وهو رياء ونفاق، لا والله العيون لا تأكل الذي يأكل البطن، وكان من طعام النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقدم لضيفه ما يكفيه، حتى ثبت أنه كان يلعق الإناء، أي: يلحسه بإصبعه أي أنه أكمل الزاد، وهذا ليس فيه شيء، من منا الآن يطبق هذه السنة في زماننا هذا، لو أردنا أن نلعق الآنية لتفقعت بطوننا، ليس على مجال العزائم فإن العزائم فيها إسراف لا يعلمه إلا الله، ولا يرضي الله، ودليل عدم رضى الله أن الناس كلهم لا يفكرون أن هذا إسراف، يعني ينفقون بسخاء، ولو طلب من أحد منهم ريالاً، أي: لو يخرج هذا الذي ذبح لك خروفاً أو خروفين، ويرى شخصاً عند الباب يريد ريالاً لطرده، لكن في سبيل الشيطان، الألف عنده أهون من ريال.
لكن على مجال البيت العادي، تجد البيت يقدم الطعام في السفرة، ويكفي للأسرة التي تأكل ويمكن معها أسرتين، ما تكفي المرأة أن تأتي بقدر أو بصحن من الإدام، تضع أربعة أو خمسة صحون، وتضع صحن الرز مملوءاً، وتضع اللحم من فوق، ثم بدل أن تأتي بقرص تقسمه على الأسرة، تأتي بخمسة أقراص، وكل واحد يكسر له من القرص كسرة، ويرمون الباقي، التفاحة يفتحونها ويأخذون قطعة صغيرة ثم يرمون الباقي، الإدام يأخذ من طرف الصحن ويترك الباقي، الرز يأخذ من طرف الرز ويترك الباقي، اللحم يأكل ويترك الباقي، هذا الباقي أين يذهب؟ يوضع كله في البلاستك، ويحمل ويوضع في الزبالة، نِعم عظيمة، قدرات إمكانات ثروات! والله تكفي لإغاثة المسلمين في جميع بلاد الأرض، كلها في الزبالة، ولذلك ترون كل يوم من الأيام عند كل بيت وعند كل شقة زبالة، لو فتحتها لوجدتها كلها عيش ولحم ورز وإدام وفواكه، وفي اليوم الثاني تجد الرجل يصعد بزنبيل مليء بالمقاضي، وفي الصباح ينزل زبالة، وضاعت حياة المسلمين بين الزنبيل والزبالة، كان هناك رجل دائماً كلما خرج من بيته قالت له زوجته: هاتٍ هات! تطلب طلبات، بل ما ينزل الآن إلا بكشف، يذهب إلى السوق ومعه بيان؛ لأنه يا ويله إذا رجع ونسي شيئاً يرجع يأتي به غصباً عنه، فقال: لها يوماً من الأيام أنت كل يوم تقولين: جيب معك، جيب معك، ما في يوم قلت لي خذ ولو شيئاً، قالت: خذ الزبالة نزلها معك، فقط هذا عمل الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا بد -أيها الإخوة- أن يكون للرجال مواقف جادة مع النساء؛ لأن هناك فلسفة شيطانية، وفكراً منحرفاً عند كثير من النساء، وهو عملية نتف ريش الزوج بالمصاريف الزائدة، وتأتي هذه الفلسفة من عقول بعض النساء الجاهلات تقول لابنتها أو لجارتها: انظري لا تتركي له ريشاً؛ لأنه إذا وفر المال سوف يتزوج ويتركك، فأنت انتفي ريشه أولاً بأول، لا يأتي آخر الشهر وباقي عنده ولا ريال، وهذا النظر غلط، هذا النظر حقيقة هو الذي يحمل الرجل على أن يتزوج، إذا وجد أن زوجته -والعياذ بالله- مسرفة وغير مُدبِّرة، وأنها تحاول أن تستهلكه وتستنفذ طاقته وإمكانياته وتتركه فقيراً على الحديدة باستمرار، يقول: بنت ندم ما هي زوجة، هذه نار، ويذهب يشتري سيارة ويستلف ولا ينتظر توفري له أنتِ، ويأتي بزوجة، أقول: إن من أعظم ما يجعل الزوج يحتفظ بزوجته، ويعيش معها عِشرة جميلة، ولا يفكر في غيرها، إذا رآها امرأة مؤمنة تخاف الله، تدبر الطعام، إذا طبخت أرزاً تضع فنجاناً فقط، ولا تضع ملء القدر، وتضع من الإدام ملء الإناء، لكن تقدم في السفرة صحناً واحداً، لها وله، وفاكهة تأتي بحبة أو حبتين، وإذا بقي شيء، أي شيء تأخذه وتضعه في الثلاجة، وتقدمه في العشاء في اليوم الثاني، يأتي آخر الشهر يجد الزوج وإذا معه مبلغ من المال، يقول: ما هذا؟ تقول: وفرنا الحمد لله، ما رأيك عندك مشروع تريد تتصدق في سبيل الله، ما رأيكم يذهب يتزوج على هذه؟! يذهب يدق عينها وهي التي تعيش معه همومه ومشاكله، وتحاول أن توفر عليه؟ أبداً ما يفعلها، أي رجل في الدنيا لماذا؟ لأن النفوس هكذا، النفوس تحب من أحسن إليها، فإذا المرأة أحسنت إليك، فتعاملها بالإحسان، لكن هذا الفكر المقلوب عند كثير من الجاهلات من النساء، يحملهن على أن تستهلك الزوج، فيذهب يبحث له عن امرأة أحسن منها، فيداويها بما كانت هي الداء لها.