ومظاهر الخسارة وصور الخسران كثيرة، فإن المبطلين يوم القيامة يخسرون، قال عز وجل:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ}[الجاثية:٢٧] والدنيا ليس فيها إلا رجلان: رجل محق، ورجل مبطل، فالمحق من عاش على الحق ممثلاً في كتاب الله وسنة رسوله، والمبطل من عاش على الباطل ممثلاً في مناهج الشياطين والفسقة والمنافقين، فيوم القيامة ينجح أهل الحق ويزحزحون عن النيران ويدخلون الجنة، ويخسر المبطلون:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ * وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}[الجاثية:٢٧ - ٣٣] نعوذ بالله وإياكم من الخسارة، فالخسران للمبطل، وأنت أعرف بنفسك؛ لأنه واضح.
أيها الإخوة: لا يقول شخص: والله ما أعلم أنا محق أو مبطل، لا.
الباطل واضح والحق واضح، والذي على الحق يعرف، والذي على الباطل يعرف، ممثل فيك كل تصرف من تصرفاتك، من نظرك، وسمعك، ولسانك، ويدك، ورجلك، وفرجك، وبيتك، وتعاملك مع زوجتك، وتربيتك لأولادك، ومشاهداتك، وأفلامك، وشريطك، وكتابك، وزملائك، وأسلوب حياتك تعرف أنك على باطل أو على حق، فالذي على حق يكون مصبوغاً بصبغة الإيمان، والذي على باطل يكون على باطل، والذي عمله مخلوط، فهذا لا يصلح، أنت الآن عندما تقدم لك زوجتك طعاماً مخلوطاً من رز، وإدام.
ومحلبية وتفاح وبرتقال وخضرة، ثم ذهبت إلى المطبخ وخلطتها كلها (عباس على دباس) وأعطتك إياها في السفرة هل تستطيع أن تأكل؟ تقول:(الله أكبر عليك) لماذا جعلتِها هكذا؟ لماذا لم تجعلي كل شيء لوحده؟ قالت: لأنه يختلط في البطن وأنا أخلطه أمامك، تقول: لا.
أريد، أخلطه أنا بنفسي في بطني بعدما أمضغه في فمي، وكذلك:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}[التوبة:١٠٢].
لماذا تقعد تحت عسى؟! يمكن أن يأخذك الله ثم لا تصبر على جمرة في النار؛ لأن بعض الناس يقول: أنا والحمد لله أحتفظ بالإيمان، وبالعقيدة وبالتوحيد وأقيم أركان الإسلام، وإذا كنت مقصراً فالمعاصي هذه لا تضر، وهي تحت رحمة الله في الدار الآخرة إن شاء عذب بها وإن شاء غفرها، وهذا صحيح، ولكن لماذا تجعل نفسك تحت المشيئة؟ لماذا تقعد تحت الخطر؟ لم لا تمشي في الأمان؟ الأمان أنك تمشي صح (١٠٠%)، وإذا زلّت بك القدم تتوب إلى الله عز وجل، أما أن تقعد في المعاصي تحت خطر المشيئة هذا خطر، افرض أنك أتيت يوم القيامة والله لم يغفر لك، أخذك بالحساب وحاسبك على النظرة:(من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من نار جهنم)(من استمع إلى مغنّ أو مغنية صب الله في أذنيه الرصاص المذاب) إذا عامل بالربا: (الربا بضعٌ وسبعون باباً أدناه ذنباً كأن ينكح الرجل أمه)(درهم تأخذه من الربا أعظم من ست وثلاثين زنية في الإسلام)(شاهد الزور لا تزول قدمه من مجلس الحكم حتى تجب له النار) اليمين الغموس تحلف بالله كاذباً لازم غمسة في جهنم، اسمها غموس؛ لأنها تغمسك في النار، الغيبة في مجالسنا، وهي تحويل حسناتك إلى الآخرين، وتحويل سيئاتهم على ظهرك، أنت تصلي لهم وهم يعصون لك، الآن الذين تغتابهم هم يعصون الله لكن في ظهرك؛ لأنك تغتابهم وتأخذ سيئاتهم، وأنت تصلي وتصوم لكن لهم؛ لأنك تغتابهم وتحول حسناتك لهم، فلماذا تعطي الناس حسناتك وتأخذ سيئاتهم؟ اجعل سيئاتهم لهم وحسناتك لك، واشتغل بعيوب نفسك، عيوبك أكثر من عيوب الناس، وإذا بدأت تطلع على عيوب الناس، فاعلم أن عيوبك أكثر وأنت أعمى لا تراها:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك معايباً فصنها وقل: يا عين للناس أعين
لا تتصور أن الناس ما ينظرون الذي عندك؛ لأن اشتغالك بعيب غيرك ينسيك عيب نفسك، أما اشتغالك بعيب نفسك يجعلك تصلحها باستمرار، ولكن إذا نسيت نفسك، وبدأت تشتغل بالآخرين ضيعت نفسك في الدنيا والآخرة -والعياذ بالله- فالمبطل مبطل والمحق محق {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ}[الجاثية:٢٧].