[عذاب النار]
أما الأشقياء أجارنا الله منهم فيساقون إلى النار, وفي النار أيها الإخوة في الله! ما لا يتصوره العقل، يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] فيها السلاسل والأغلال, فيها الحيات والعقارب, الفراش نار, والدفاء نار, والطعام زقوم, والشراب حميم, والظلال يحموم, يصيحون في النار صياحاً مرتفعاً يقول الله عنهم: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:٣٧] فيقول الله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر:٣٧] لقد عمرناكم في الدنيا وأعطيناكم فرصة للذكرى والعمل {وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:٣٧] بعد ذلك يدعون الخزنة -الخزنة: الملائكة المسئولة عن النار- يقول الله عز وجل حاكياً حال الكفار في النار: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:٤٩] يريدون إجازة ليوم واحد فقط من العذاب, فتقول الملائكة: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:٥٠] وبعد أن ينقطع رجاؤهم من الخزنة يرفعون الشكوى إلى خازن النار وهو مالك ويقولون كما قال الله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} ماذا قالوا؟ أخرجنا، هم يعلمون أنه ليس هناك خروج لذا يقولون: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} يعني: موتنا، الموت أهون من هذه الحياة {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:٧٧] يعني: هذا مكانكم المناسب لكم، لماذا؟ قال: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:٧٨] وبعد ذلك ينقطع رجاؤهم إلا من الله فيرفعون الشكوى إلى الله يقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٦ - ١٠٨] يقول عليه الصلاة والسلام: (فوالذي نفس محمد بيده ما يتكلم أحدهم ولا ينبس ببنت شفه، وإنما هو الشهيق والزفير) ما عاد في ولا كلمة، فإذا قال الله: (قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} ما في كلام، لماذا؟ قال: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:١٠٩ - ١١٠] كنتم تضحكون عليهم في الدنيا أما في الآخرة: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:١١١].
وبعد أن يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، جاء في الحديث: (أنه يؤتى بالموت على هيئة كبش، ثم يوقف بين الجنة والنار، ويدعى أهل الجنة ويقال لهم: هل تعرفون هذا؟ قالوا: هذا هو الموت, ويقال لأهل النار: أتعرفون هذا؟ قالوا: هو الموت, ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت, ويا أهل النار خلود فلا موت) فلا يكون نعيماً على أهل الجنة أعظم من هذا النعيم؛ لأنه طمأنهم على أنهم خالدون في هذه النعمة, ولا يكون عذاباً أشد على أهل النار من هذه الكلمة؛ لأنه قطع أملهم في الخروج من النار -نعوذ بالله جميعاً من عذاب النار-.
أخي في الله: أنت تسير وليس لك خيار إلا أن تسير فاسلك الطريق الصحيح, ولا تقل: إن طريق الإيمان والدين فيه مشقة، فهي مشقة تعقبها راحة وسعادة أبدية, ولا تغتر بما في طريق الفسق والمعاصي من اللذات، فإنها لذات مؤقتة تعقبها حسرات وعذاب طويل.
وهذا الكلام الذي نقوله أيها الإخوة ليس قصصاً ولا أساطير، وإنما هو حقائق جاءت في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يسع المسلم العاقل إلا أن يستجيب لداعي الله حينما قال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:١٣].
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يسلك بنا جميعاً سبيل الأبرار, وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجنبنا ما يسخطه ويأباه.
كما نسأله في هذه الليلة المباركة أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماًَ, وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا ولا معنا ولا منا شقياً ولا محروماً.
اللهم احفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا.
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.