لابد أن يكون الصبر لله، لأن الصبر أمر مشترك عند كل الناس، حتى الكافر يصبر مضطراً، فيصبر على الدراسة، والحيوانات تصبر فالشاة تذبحها وهي صابرة.
ومثال ذلك الرجل الذي ضيف رجالاً وهو لا يريد أن يضيفهم، فأخذ تيساً من غنمه وذبحه فصاحت الذبيحة فيقول للتيس: اصبر والله إنك مغصوب وأنا مغصوب -يقول: ليس بإرادتي أن أذبحك ولكن ماذا نصنع فكلانا مغصوب-.
فالصبر أمر مشترك بين الإنسان والحيوان، وبين الكافر والمسلم، كل الناس لا بد أن يصبروا، لكن من هو الذي له الأجر؟ إن الذي له الأجر هو الذي يصبر لله قال الله عز وجل:{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}[المدثر:٧] ليس لشهواتك، ولا لمرادك، وهواك، وإنما لخالقك ومولاك، وقال عز وجل:{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}[الرعد:٢٢] الذين يصبرون ابتغاء وجه الله، ويريدون بهذا الصبر ما عند الله عز وجل:{وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً}[الرعد:٢٢].
لقد مدحهم الله وأثنى عليهم؛ لأنهم صبروا ابتغاء وجهه، وأنت عندما تصبر على ألم الدراسة لكنك لا تصلي؟ صحيح أنك صبرت حتى نلت الشهادة، ولكنك مقطوع الصلة بالله، هل صبرك هذا من أجل الله أم من أجل الشهادة؟ إنه من أجل الشهادة، فعندما حصلت على الشهادة هل تنال عليها أجراً؟ لا.
لكن لو أنك استصحبت النية الصالحة وكنت عبداً لله طيباً، ودرست هذه الدراسة من أجل طلب العلم، ومن أجل احتلال منصب ووظيفة، لأجل نصرة الحق، أو من أجل المشاركة في بناء وطنك، لكانت دراستك هذه وصبرك عليها صبراً لله.
فالمزارع الذي يزرع ويريد بهذه الزراعة جلب أقوات المسلمين، ويحتسب عند الله ما يأكله الطائر، وما يشرب من البهيم، وما يأخذه الغريب، وما يتصدق به على المسكين، فهذا يصير صبره على الزراعة صبراً لله، لكن من يصبر على الزراعة، ويضع عليها بيوتاً محميةً من كل اتجاه، ولا يدع عليها طائراً يأخذ منها حبة واحدة، ويكمم العنب بالصناديق، ويجعل عليها عمالاً لكي لا يمر أحد من عندها، ثم لماذا هذا كله؟ قال: أريد أن أبيعها.
وإذا جاء وقت جني الثمرة لا يحمل معه للبيت شيئاً، ولا يهدي لجاره ولا لصديقه حبة، وإنما في الصندوق هذا صَبَرَ، ولكن لماذا صبر؟ من أجل الأموال، وقد حصل على المال ولكن صبره هذا ليس لله عز وجل.
فالصبر لله يجب أن يكون خالصاً، ومصحوباً بالنية السليمة من أجل نيل ما عند الله من الثواب، ولهذا قال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}[الرعد:٢٢].