المعوق الثاني: وهو مهم جداً جداً، وهو: معضلة الأفلام:- الأفلام؛ وما أدراك ما الأفلام؟ لقد أحدثت هذه الأفلام هزة عميقة كبيرة في الأسر وفي نمط الحياة الاجتماعية فيها، حين أصبح مجرد تجمع الأسرة حول بعضها ضرباً من ضروب المستحيلات، فما عاد أحدٌ يجد الأب، ولا الأم، ولا الأولاد، كلٌّ في داره على الفيديو، يتلقى ويتعلم من دروس الكفر والضلال -والعياذ بالله- وحين أخذت القيم التي تبثها الأسرة في الأطفال في الاضمحلال والانتهاء؛ لتحل محلها القيم المقتبسة والمستوردة من أفلام رعاة البقر، ومسلسلات العنف، وتمثيليات الجنس، وحلقات الجريمة والبوليس، وهي دائرة ضخمة من الآثار الوخيمة، تصنعها الأفلام، ويتشبع بها أفراد الأسرة كل يوم، وتتغير -تبعاً لذلك- أنماط في حياة الأسرة كلها، فوقت النوم أيضاً يتغير، وكان الناس في الماضي ينامون بعد صلاة العشاء، وكانوا عندكم في نجد هنا إذا سمعوا النجار سهر بعد صلاة العشاء، دقوا عليه الباب، وأخذوا غترته وحرقوها وصبوا الماء على ناره، ويقولون له: أتسهر بعد العشاء؟! أمعقول أن تضيع الفجر؟! أما الآن فقد أصبح النوم بعد العشاء جريمة، إذا سأل شخص آخر وقال له: متى ترقد؟ فقال: بعد العشاء، قال: أعوذ بالله! أترقد بعد العشاء؟! أفيك خبل حتى لا تسهر؟ وإذا قال له: ومتى ترقد أنت؟ قال: ما أنام إلا الساعة الواحدة، بعد انتهاء الفيلم، أو بعد المسلسل (الذي يسلسل عقله والعياذ بالله)، حتى أصبح المسلسل موعداً، فيقال: متى العشاء: بعد الأخبار أم بعد المسلسل؟ فيقال: العشاء بعد المسلسل.
أصبح المسلسل حدثاً اجتماعياً، لا بد أن نحرص عليه، وبعضهم تجد أن عنده زائراً، أو هو زائر عند آخر، فإذا جاء وقت المسلسل قال: أستأذن، فإذا قيل له: ماذا هناك؟ قال: المسلسل، لا أريد أن يفوتني، فإذا قيل له: لماذا؟ قال: وقف المسلسل البارحة عند نقطة هامة، وأنا -يا أخي- أعيش في دوامة، أريد أن أراها.
ما هذه النقطة الهامة، أتدرون ما هي؟ هي كذب في كذب، تجد سبعة كذابين أو ثمانية، أو عشرين كذاباً جمَّعهم كذاب، وألف لهم كذبة في ورقة، وسماها: مسرحية، وأتى بهم، ووزع عليهم الأدوار، وقال: أنتَ في دور الأب، وأنتِ في دور المرأة، وأنتِ في دور البنت، وأنتَ في دور الولد، وأنتَ في دور الخادم، وأنتَ في دور السائق، وجلس معهم شهرين أو ثلاثة أو أربعة، وهو يعلمهم الكذب، ويصنع لهم كذباًَ في كذب، وبعد ذلك، أخرج هذه الكذبة إلى الناس، وإذا بالناس يعيشون معها.
حتى أن من الناس من يعود إلى بيته فيجد زوجته تبكي، فيقول لها: ماذا بك تبكين؟ فتقول: هل رأيتَ النهاية المرة والأليمة التي حصلت لتلك المسكينة؟ فيقول: يا فلانة، والله لا نهاية ولا شيء، والله إنها كذب في كذب كيف تعيش بعقليتك على الكذب، أنا الآن لو قلتُ لكم وأنا في مجيئي الآن، جئت -مثلاً- من شارع المطار إليكم، فلو قلتُ لكم، وأنتم تثقون بكلامي: لقد مررتُ بحادث مروري مروِّع، كانت ضحيته العشرات من الناس، أربع أو خمس سيارات اصطدمت كلها، وبعد ذلك جاء المرور وسألوا الجرحى، وساهمتُ أنا معهم، أما تتأثرون بهذا الخبر؟! مباشرة ستقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، فإذا أكملتُ الخبر، قلتُ: لا تصدقوه فهو كذب، فماذا ستقولون لي؟ ستقولون: الله أكبر عليك، لماذا تخذلنا يا شيخ؟ لماذا تعلمنا الكذب؟! وتشد أعصابنا بالكذب؟! هذه المسلسلات، وهذه الأفلام كلها كذب في كذب.
فالنوم أصبح في هذا الوقت من بعد العشاء أعجوبة الزمان، وحتى نمط الطعام أصبح متغيراً، لم يعد مثل الأول، ونمط الاستضافة، فبعض الناس تأتي إليه تريد أن تدق عليه بابه، وتريد أن تسمر معه، فيشغل لك فيديو، ويقول: اسمر مع الفيلم، فتقول له: يا أخي! أنا جئت لأزورك، أم جئت لأزور الفيلم؟ أريد كلامك، لا أريد الفيلم، فيقول: لا.
الفيلم مهم، انظر إليه، بمعنى: انصرف، لا يريدك أن تجلس معه، لا حول ولا قوة إلا بالله! واختفت الحياة الهادئة، وتعود الناس على الضجيج والصخب، وحصل الاضطراب في الأعصاب.