[المعوقات في طريق الالتزام]
مما يعين على الثبات وعلى الالتزام: أن يعرف الإنسان أن طريق الالتزام فيه كثيرٌ من المعوقات، ليس طريقاً سهلاً، وليس طريقاً مفروشاً بالورود، بل طريق صعب وشاق، يقول عليه الصلاة والسلام: (حفت الجنة بالمكاره) وأنت ما هدفك من الالتزام؟ الجنة.
كل شخص يلتزم لكي يحصل على الجنة، وينجو من النار، حسن (حفت الجنة بالمكاره) كيف تصل إلى الجنة؟ لا تصل إلا عبر تجاوز هذه المكاره، فوطن نفسك؛ لأنك ما دمت تريد الجنة لا بد أن تتجاوز المكاره، مثل الذي يريد أن يتخرج من الجامعة، حفت الجامعة بالمكاره، ما هي المكاره؟ الدروس، ولا بد أن تدرس ست سنين، وثلاث متوسط، وثلاث ثانوي، وتدخل في الجامعة، وتأخذ كتباً وتدرسها حتى تتخرج، شخص يقول: أريد شهادة جامعية؛ لكن لا أريد أن أدرس، أريد أن أجلس في البيت، الدروس تعقيد ومشاكل، ودوام في الصباح، وأربعين دقيقة حصة، ومدرس يضربنا، ومراقب يلطخنا، وامتحانات يمتحنونا، والله ما أريد أن أدرس، أنا أريد فقط الشهادة في آخر السنة، ولكن من غير دراسة! هل أحد يعطيه هذا؟! لا.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبسِ
الذي يريد الجنة يصبر على المكاره.
وما هي المكاره التي تقف في طريق الملتزم؟ أولاً: الضعف عن مقاومة الإغراءات، يوجد في الطريق إغراءات، وفي النفس شهوات طبع الإنسان عليها، مثل: شهوة النساء، وشهوة المال، وشهوة النوم، وشهوة اللعب، فيها حلال وفيها حرام، مغريات، النفس البشرية تدعوك إلى هذه المغريات، والعقل والقلب الإيماني يدعوك إلى الترفع عنها، فلا بد أن توطن نفسك على ألا تستجيب لهذه الإغراءات ولهذه الشهوات حتى تسلم، أما إذا ظننت أن بإمكانك أن تكون ملتزماً مع الاستجابة للشهوات، فتسمع الحرام، وتشرب الحرام، وتمشي وتسهر على الحرام، وتظن أنك ستبقى ملتزماً، هذا غير صحيح! ولا يمكن أن يكون، ولا يقبل.
أيضاً الضعف عن ممارسة واستمرار أداء العبادات؛ لأن العبادات فيها تعب، يقول الله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:٤٥] جعلنا الله وإياكم منهم، الصلاة والعبادة ليست عملاً تؤديه مرة فقط، لا.
بل تؤديه وتؤديه وتؤديه إلى أن تموت، تصلي الآن العشاء وغداً تصلي الفجر، وبعد الفجر تصلي الظهر، وبعد الظهر تصلي العصر، وبعد العصر المغرب، وبعد المغرب العشاء، إلى متى؟ إلى أن تموت، فوطن نفسك على أنه لا بد أن تقوم بهذا العمل، فإذا جاء رمضان لا بد أن تصوم، وإذا جاء الحج جاء لا بد أن تحج، عندك مال لا بد أن تزكي، عندك والد لا بد أن تطيعه، عندك أم لا بد أن تبرها، عندك رحم لا بد أن تصلها، عندك أخ في الله لا بد أن تكرمه وتزوره، رأيت منكراً لا بد أن تغيره، القرآن لا بد أن تحفظه وتقرأه، الذكر لا بد أن تؤديه، فوطن نفسك على القيام بها وعدم التثاقل عنها؛ لأنك إن لم توطن نفسك، سيأتي يوم من الأيام تقول إلى متى؟ ثم وطن نفسك على مواجهة الضغوط الأسرية التي قد تواجه بها، قد يستقيم الشاب ويأتي البيت وإذا بالأسرة ليست معه، الأب له وضع، والأم لها وضع، والإخوان لهم وضع، والأخوات لهن وضع، وهو مستقيم فيجد أن أمامه أسرة تواجهه، وتحد من نشاطه، وتقف في طريقه وتمنعه، وربما تسخر منه وتستهزئ به، وربما يضربونه وربما يمنعون عنه المصروف، وربما يقولون له: أنت أخبل! أنت مجنون! أنت متطرف! أنت وأنت، وطن نفسك على هذا! ولهذا ذكر الله لنا قصصاً في القرآن من أجل تربيتنا، أخبرنا الله عز وجل عن إبراهيم وأن ممن كفر به أبوه، حتى إذا جاء أبوك يردك تتذكر أن إبراهيم رده أبوه، فيكون لك قدوة.
وأخبرنا عن نوح أن ممن كفر به ولده، وأخبرنا عن لوط أن من ضمن من كفر به زوجته، وأخبرنا عن محمد صلى الله عليه وسلم وأن من ضمن من كفر به عمه.
إذاً إذا أبوك ما أعانك؛ لك قدوة وهم الأنبياء، وإذا ولدك ما استجاب لك؛ لك قدوة وهم الأنبياء، وهكذا فيجب أن توطن نفسك على مواجهة الضغوط الأسرية التي تريد منك أن تترك الالتزام، وأن تعود إلى وضعك الحياتي الأول في الأسرة؛ لأنك تدخل الأسرة ولك أسلوب جديد، ولك منهج جديد، وتريد أن تجري تغييراً في البيت، وهم لا يريدون التغيير، يريدونه على ما كان عليه، فيضغطون عليك حتى ترجع؛ لكن لا ترجع؛ لأنك على الحق وهم على الباطل، فقط غير بالأسلوب الذي سوف نذكره إن شاء الله.
أيضاً وطن نفسك على مواجهة نظرة المجتمع إليك؛ لأن نظرة المجتمع تختلف من مجتمع إلى مجتمع، نحن في مجتمعنا والحمد لله، ينظر إلى الملتزم والمتدين نظرة إكبار، وتكريم، وتقدير، وحب؛ فإذا رأوا الرجل، أو الشاب تدين؛ قدره كل شخص، لكن في بعض المجتمعات المسلمة، لا.
إذا التزم وتدين بدءوا يمقتونه، ويخافون منه، ويصفونه بالإرهاب والتطرف، وكل شخص إذا رآه يقول: انظروه! انظروه! بل في بعض الدول يعتبر مجرماً، فهذه تضغط على الإنسان، وتؤدي به في لحظة من اللحظات إلى أن يترك الالتزام ويرجع؛ لأن المجتمع له هيمنته، وله ضغطه الذي يمارسه على الإنسان.