قلنا في الماضي: إن العلامات التي تدل على قرب الساعة منها ما وقع وانقضى، ومنها ما يقع ولا يزال يقع، ومن ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من فشو الفساد، وأنه مؤشر وعلامة من علامات الساعة؛ لأنه إنما يتحقق الرقي للأمم والسؤدد والتقدم والرفعة، بمقدار ما يكون فيها من أفراد صالحين يتحلون بالقيم الفاضلة، والعقائد السليمة، والأخلاق الحميدة والمعاملات الحسنة، ويسعون إلى إقامة العدل في الأرض وتقويم المعوج وإصلاح الفاسد، وهؤلاء هم الذين حملوا الأمانة يوم أن تخلت عنها السماوات والأرض:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[الأحزاب:٧٢] والأمانة هي كل ما اؤتمن عليه العبد من الإيمان والعمل الصالح، وليست الأمانة محصورة في الودائع، فالودائع جزء من الأمانة، لكن كل ما كلفك الله به وائتمنك عليه فهو أمانة، صلاتك أمانة عندك من يحاسبك عليها إلا أنت، قد تقول: صليت، لكن الله يعلم أنك ما صليت، فهذه أمانة خنتها.
وضوءك أمانة، فقد تصلي بدون وضوء خوفاً من مدير المدرسة، لكن الله يعلم أنك لست متوضئاً فقد خنت الأمانة، صيامك أمانة غسلك من الجنابة أمانة عينك أمانة أذنك أمانة فمك ولسانك أمانة بطنك وفرجك أمانة يدك وقدمك أمانة، كل ما أتمنك عليه الشرع وجعل أمره في عنقك أمانة عندك إن أديتها فأنت من أهل الإيمان، وإن خنتها فأنت من أهل الخيانة -والعياذ بالله- ولهذا قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال:٢٧].