للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموت وحتمية وقوعه]

قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠] هذه الأولى، هل يوجد أحد عنده شك في هذه؟ هل تستطيع البشرية أن تتخلص من الموت؟ والله لو أنهم استطاعوا لأوقفوا الموت من زمن، لكن لم يستطيعوا.

هناك عالم في مصر عنده أبحاث عن الحياة والروح، ويريد أن يعيد الروح إلى الجسد ولا تخرج منه، وتطور في أبحاثه وقطع أشواطاً، ومن ثم ماتت أمه قبل أن يصل إلى نتيجة، فوضعها في الثلاجة من أجل أن يكمل الأبحاث ويردها لتعيش، وبعد ثمان عشرة سنة من الأبحاث لم يراوح مكانه، لم يتقدم شبراً واحداً، لماذا؟ لأن أمامه مجاهيل لا يستطيع أن يدخل فيها {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:٨٥] مات أبوه بعد ثمان عشرة سنة، فأدخل أباه إلى جانب أمه في الثلاجة وبعد شهر مات هو فأخرجوا أمه وأباه ووضعوه معهم في القبر.

الروح مادتها ومفاتيحها عند الله، ويوم أن تقصر على غير مادتها وغذائها تعذب، وإن عذبت حصل للإنسان مشاكل في هذه الحياة.

فالأولى حصلت {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠] والله لو كانوا يستطيعون لكانوا قد فعلوا زمن بعيد؛ لأنهم لم يعجزوا عن شيء فيما مكنهم الله منه.

فَجَّرُوْا الذرة، والذرة هذه شيء رهيب لا تتصوره العقول، حتى الذي فجرها لا يدري عنها، الذرة في تعريفها العلمي هي: أصغر جزء في المادة.

وبمثال يسير: لو أحضرت على رأس الملعقة سكراً وطحنته حتى أصبح مثل البودرة، ثم أخذت على رأس إصبعك واحدة من هذه الذرات الدقيقة، وجعلتها في المجهر -يوجد الآن مجهر يسمونه مجهر (إلكتروني) يكبر المادة ثلاثة مليون مرة؛ أي: يجعل (الملي) الذي هو واحد من عشرة من السنتيمتر يجعله ثلاثة كيلو- إذا أتيت بهذه الهباءة وجعلتها على الشريحة الزجاجية وأدخلتها في المجهر ونظرت قد تراها وقد لا تراها، رغم أنه كُبِّر ثلاثة مليون مرة، إذا رأيت هذه الذرة تجد فيها عالماً، كل ذرة من ذرات الكون لها نظام مستقل، الحديد له ذرات، والخشب له ذرات، والتراب له ذرات، والألمنيوم له ذرات، واليورانيوم له ذرات، والنحاس له ذرات، والبلاستيك له ذرات، وتختلف مكونات كل ذرة من كل مادة عن الأخرى، ولكن تتحد في قضية التركيب، والذرة تتكون من جزأين: نواة وتسمى (النيترون) و (إليكترونات) تدور حول هذه النواة، وتحمل كل ذرة شحنتين: شحنة موجبة وشحنة سالبة، وهناك توازن وتعادل كهربائي بين الشحنة السالبة والموجبة في كل ذرات الكون، ومن يدبر هذا كله إلا الله الذي لا إله إلا هو.

وعندما كنا نسمع في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:٤٠] نقول: هي التي تمشي على الأرض، أي النملة أو هي التي نراها في ذرات الهواء، إذا جلست في غرفة يدخل من شباكها ضوء الشمس ترى غباراً وذرات معهم، والذرة فيها عالم آخر، وقد استطاع الإنسان أن يفجر هذه الذرة، وبحث عن أعظم مادة تتكون من أكثر عدد من (إلكترونات)؛ فوجد عنصراً من عناصر الحديد اسمه (اليورانيوم)، هذه موجود فيه أكثر من خمسين إليكترون، بينما هذا البلاستيك ذراته (الإليكترونات) فيها نصف (إلكترون)، أو واحد (إليكترون) أو اثنان، ولذلك غير موصل للكهرباء، ترون الآن (الكهرباء) تسير هنا، ويضعون عليها (البلاستيك)؛ لماذا؟ لأنه عازل، (الإلكترونات) الموجودة فيه قليلة جداً لا تستطيع أن تحمل الطاقة (الكهربائية) لكن (الإلكترونات) الأخرى التي تحمل هي الحديد والنحاس و (الألمونيوم)، أما (اليورانيوم) لما كان فيه مجموعة كبيرة من (الإلكترونات) كان قابلاً للانفجار.

جاءوا بمجموعة كبيرة من مادة (اليورانيوم) وجمعوا فيه الذرات، ومن ثم فجروها، كيف فجروها؟ خلخلوا التوازن والتعادل الكهربائي الموجود بين السالب والموجب فحصل الانفجار والدمار.

يا من فجر الذرة؟ لو كان يعرف كيف يموت وكيف يرد الروح لما عجز عن الرجوع، لكن عند الموت قف وارجع.

قال الله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠] هذه الأولى أما حصلت؟! وهل فيها شك؟ من كان عنده شك فليرتقب حتى يأتيه الموت، والله إنك ستموت غصباً عنك {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:٣٤] {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥].