نهتدي عن طريق إصلاح الماضي بالاستغفار، وإصلاح المستقبل بالعزم على عدم المعاصي، وإصلاح الحاضر بالاجتهاد، فلا تعلم -يا أخي- متى تموت، ربما تموت الليلة وقد جددت النية، يقال: إن شخصاً من الإخوة في مصر كانوا جماعة في مسجد ولهم جار، وهذا الجار لا يصلي لا في المسجد ولا في البيت، وهو حشاش وطوال ليله في القهوة، أي: عربيد، دخل اثنان من الجماعة أو ثلاثة المسجد فقالوا: جارنا فلان لا يصلي، أين هو؟ قالوا: جالس في القهوة بعد العصر، فذهبوا إليه وهو جالس يلعب (الكتشينة) يسمونها الورقة وشخص أمامه، فواحد منهم دق عليه الماسة، قال: ماذا تريد؟ قال: أريدك لو تكرمت، قال: تفضل استريح، طلبوا (شاي) وشربوا معه، قالوا: نريد منك هذه الليلة أن تحضر في هذا المسجد المجاور، قال: لماذا أحضر؟ قال: هناك عالم سيلقي خطبة، وهذه الخطبة أسأل الله أن ينفعك بها، فجرد هذه الليلة لله عز وجل، فالله عز وجل فتح قلبه لهذا الكلام، ليس فيه موعظة بليغة، ولكن الإخلاص يدخل الكلام القلوب، فقال الرجل: أنا أجرب، يقول: نجرب، وأنه سيذهب يقول: جاء المغرب ونزل وأولئك ينتظرونه في القهوة، فأخذوه بيده وذهبوا به إلى المسجد وقالوا: أنت متوضئ؟ قال: وما متوضئ؟ (لا يعرف يتوضأ).
قالوا: تتوضأ للصلاة ألا تعرف تتوضأ؟ قال: لا أعرف، قالوا: تعال، وأدخلوه مكان الوضوء وتوضئوا أمامه وتوضأ مثلهم ودخل وصلى، وبعد أن سمع القرآن في صلاة المغرب ثم في الموعظة إلى العشاء وبعد صلاة العشاء، أمسك هؤلاء وهو خارج من المسجد قال: يا جماعة! أنا والله كنت في ضلال، وأنا أريد أن أصلي الفجر معكم في المسجد لكن كيف أستيقظ؟ قالوا: نحن نوقظك -لأنهم جيران- وندق عليك، قال: بالله عليكم ما تأتون إلى المسجد إلا وأنا الأول ولو كسرتم الباب علي تكسيراً أنا نومي ثقيل، لكن لا تمشوا إلا وقد استيقظت، قالوا: حسناً، وذهبوا معه إلى الباب وودعوه ودخل بيته.
دخل بيته في ساعة مبكرة على غير العادة، لم يكن يأتي بيته إلا وقد نامت زوجته، فلما دخل عليها بعد العشاء استغربت ماذا حصل لماذا أتيت في هذه الساعة؟ قال: نحن كنا مع ربنا هذه الليلة، قالت: الحمد لله الذي هداك، ماذا بك؟ قال: صليت المغرب والعشاء وسأذهب أصلي الفجر، فوالله ما أترك ولا صلاة، قالت: ومن يوقظك في الفجر؟ قال: الجيران، قالت: أنا أسمع الأذان وأوقظك، فجاء في الصباح في صلاة الفجر وأرادت أن توقظه فوجدته قد مات في فراشه، جلست توقظه وإذا به ميت فشعرت بالخوف، وإذا بالباب يطرق من قبل أولئك الإخوة الذين يريدون أن يصلي معهم، فتحت الباب قالوا: فلان أيقظيه ليصلي، قالت: الرجل ميت، دخلوا فوجدوه ميتاً، حملوه وغسلوه؛ أخرجوه إلى المسجد وصلوا عليه، ودفن وختم له إن شاء الله بحسن الخاتمة.
فلا تدري -يا أخي- ربما أنك تموت هذه الليلة فتب من الآن، ماذا تخسر لو تبت؟! تخسر ترك الصلاة، والأغاني، واللعن والسب والشتم، هذه ليست خسارة، بل تركها مكسب، إنك تكسب كل شيء مهم ولا تخسر شيئاً، وإنك بالمعاصي تخسر كل شيء ولا تكسب شيئاً مهماً، فمن الآن تب ولا تسوف ولا تجازف ولا تماطل، فإن المجازفة والمماطلة والتسويف أعظم خسارة، وكما ورد في الأثر:[أن أكثر صياح أهل النار وهم في النار يقولون: واهاً لمسوف]، يعني الذي يقول:(سوف سوف) وأنت لا تعلم متى تموت؟ لو عندك علم بذلك فليس عندنا مانع، لكن يمكن تموت الآن، فكيف تؤخر التوبة وأنت ليس عندك علم متى تموت، إن هذا من نقص العقل.
فهذه طريق الهداية وكيفية الحصول عليها، عن طريق: الاستغفار من الماضي، والعزم على عدم ممارسة الذنب في المستقبل، وإصلاح الحاضر بالاجتهاد وبالسير في طريق الله، وبالمحافظة على طاعة الله والبعد عن معصية الله، ويلزم هذا كله الدعاء والمجاهدة:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:٦٩].