[التفريط في الدين]
إن الله تبارك وتعالى أكرمك بأن جعلك وليه، وتولى تبارك وتعالى تسديدك وتوفيقك وتوجيهك في كل جزئية من جزئيات حياتك، حتى علمك في الشريعة أن تأكل بيمينك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للغلام: (يا غلام - عمرو بن سلمة - سَمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) ثلاث كلمات فيها آداب الطعام كله، أولاً: سم الله؛ لأن معنى اسم الله أولاً: حجز للشيطان أن يأكل معك، ثانياً: ذكر الله، تذكر الله باسمه، وأن هذه النعمة من الله.
ثانياً: كل بيمينك تخصيص؛ لأن الأجهزة يمين وشمال وكل واحد له وظيفة، يمينك غير شمالك، شمالك لها وظيفة في التنظيف والاستنجاء وإزالة القذر منك، يمينك لها وظيفة في مدها إلى الرجال، وأكل الطعام، والتصدق بها في كل عمل طيب، اليمين هذه تستخدم في أكل الطعام، لكن غير هذا النهج كان يمينك مع شمالك، وشمالك مع يمينك، مرة تأكل بالشمال ومرة باليمين، ومرة تضع يمينك في عورتك، ومرة تضعها في فمك، من يعلمك أن هذه حلال وأن هذه حرام؟ كثير من الكفار الآن يغسل عورته بيمينه، وإذا جاء يأكل يأكل بيمينه وقد غسلها، صحيح ليس فيها قذارات، لكن تستقذر معنوياً أن تضع شيئاً في عورتك وبعدها في فمك، ولو عقمته وغسلته لكنه مستقذر، فالإسلام جاء لينظم حياتك في كل جزئية من جزئياتك حتى في هذه الحالة.
ثالثاً: وكل مما يليك، أدب إسلامي، لا تكن شرهاً فتقتحم على الآخرين طعامهم، تنظر في اللحمة التي عند ذاك، وتنظر في الشيء الذي من هناك، وتمد يدك إليها، هذه قسمة من ربي، اجلس عند أي صحن، واجلس على أي لحمة؛ لأن بعضهم منذ أن يدخل على السفرة ينظر أين اللحم الجيد، ويقعد بعضهم هنا، يقال له: تعال هنا، قال: أريد هنا، هذا (جيولوجي) يعرف مكان اللحم الجيد والأرز الجيد، لا يصلح يا أخي! اجلس في أي مكان، وبعد ذلك هب أنك أكلت لحمة جيدة، وذاك هناك ما رأى إلا شحمة أو عظمة أو رأساً أو كرشة وشبعت ماذا سوف يطلع لك أنت بعد ذلك، هل اللحمة تكون في ظهرك سنام؟ أو هل ستصبح سميناً؟ والله الذي يأكل لحمة والذي يأكل الفول كلهم سواء، وبعد ذلك الذي يخرج منك مثل الذي يخرج من ذاك، ما تكون أنت ذهب أصلي وذاك ليس بأصلي.
اعلم أن هذه الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فالإسلام يقول: وكل مما يليك، كل مما قسم الله لك، وارض بما قسم الله لك، إن كان طيباً فحظك، وإن كان قليلاً فحظك، وهذا أدب من آداب الإسلام.
أي تكريم أيها الإخوة أعظم من هذا التكريم، أن يتولى الله تبارك وتعالى بنفسه عز وجل توجيهك في مثل هذه الأمور، حتى كيف تدخل الخلاء وكيف تقضي حاجتك؟ جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنك تدخل بالشمال، وتستعيذ بالله من الشيطان، ومن الرجس النجس ومن الخبث والخبائث، وتسمي الله ثم تدخل، وحين تنتهي تخرج وقد أخرج الله منك الأذى، فلو بقي الأذى فيك، فمن يخارجك منه؟ احمد الله أن الله أذهب عنك أذاك وأبقى لك ما ينفعك، وخلصك من هذه القذارات التي تحملها -أيها الإنسان- وتستغفر الله لأنك جلست فترة من الوقت لم تذكر الله داخل الحمام، فتخرج وتقول: غفرانك، ورد في الحديث أنه إذا خرج يقدم رجله اليمنى ويقول: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، غفرانك) غفرانك يا رب من اللحظات التي قضيتها في الحمام ولم أذكرك فيها؛ لأنه ممنوع أن تذكر الله في الحمام.
ما ظنكم فيمن حياته كلها مثل الحمام، لا يذكر الله من الصباح إلى الليل، إذا كنت تستغفر من جلوسك في الحمام دقيقتين أو ثلاثاً؛ لأنك لم تذكر الله، فكيف بمن يقضي يومه وليله وشهره وسنته لا يذكر الله، ولا يعرف الله عز وجل، هذا مسكين، عبد وولي الشيطان، اتخذه ولياً من دون الله؛ فالشيطان إذا وجد ولياً من أوليائه يشغله، يعدهم المواعيد ويمنيهم الأماني ولكن: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} [النساء:١٢٠] يركب على ظهورهم، ويتنقل على رقابهم، ويقضي حاجته عليهم، ويؤزهم {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم:٨٣] ترجه رجاً {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم:٨٤] هي أيام وليالي ثم يجدون جزاء أعمالهم عند الله تبارك وتعالى.
يقول الله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} [الأنعام:٣١] من المكذب بلقاء الله؟ الذي لا يعمل الواجبات ولا ينتهي عن المحرمات، ويرتكب المحرمات ويترك المأمورات هذا مكذب بلقاء الله، ولو قال إنه مصدق فلا نصدقه؛ لأن الله عز وجل قد كذبه، الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:٨ - ٩] وقال: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:٨ - ١٤] {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ} [الأنعام:٣١] الساعة المقصودة هنا ساعة الموت، يعني: لكل واحد منا ساعة معلومة عند الله مجهولة عندنا، إلزامية إجبارية، وإذا جاءتهم الساعة أتتكم بغتة، لا بموعد.
فكل البشر لا يعرف أحد منهم متى يموت، يقول الله عز وجل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:٣٤] بالعلم بالمال بالجاه أريد أن أعرف أريد أن أطمئن! أنا الآن قلق لا أدري متى أموت، وأريد أن أدري متى أموت؛ من أجل أن أنام وأرتاح وقبلها بأسبوع أو بأسبوعين أتجهز وأصلي، لكن لا يدري أحد، حتى الأنبياء! حتى الأولياء والصالحون! ليس هناك شخص يَسلم، من أجل أن تبقى دائماً مستعداً محزماً فراشك على ظهرك من حين يدعوك الداعي وإذا بك إلى الجنة، أما أن تنام وما تدري متى يدعوك الداعي تقول: آه اصبروا، دعوني أصلي وأصوم، لعلي أعمل، قالوا: لا.
فات الأوان ما صليت ستين سنة وأنت قاعد وتريد أن تصلي الآن، ماذا غرك من قبل؟ وما الذي ضيعك عن دينك من قبل؟ قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:٩٩] لماذا؟ قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:١٠٠] قال الله: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:١٠٠].
{حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} [الأنعام:٣١] الله أكبر! ماذا يحصل للإنسان من اليقين عند الموت؟ تنكشف الحجب، وتزول الحواجز، ويرى الأمر رأي العين كما أراكم الآن وتروني، يقول عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد ٍ بيده إن أحدكم ليرى منزله من الجنة أو النار وهو في بيت أهله) لا يزال على السرير فينظر الجنة أو هناك أمامه، فيحصل عنده يقين لو قسم على الدنيا لكفى، لكن لا ينفع.