يقول عزَّ وجلَّ في سورة الحج وهو يلفت نظر الناس الذين يكذبون بالبعث إلى عملية الخلق التي تتم الآن يومياً، ما من يومٍ يمر على الناس في أي بلد وفي أي قرية وفي أي مدينة إلا ويأتي مولود جديد، يذهبون بأمه إلى المستشفى، وتلد، ويأخذون طفلاً، فينظرون فيه، فيقولون: سبحان مَن خَلَق! وأمه -التي هو في بطنها- لا تعلم عنه شيئاً، وإذا به مُصَوَّرٌ ومُرَكَّبٌ مِن عينين، وسَمْع، وبصر، ولسان، وفؤاد، ويَدَين، ورِجْلَين.
مَن الذي خلق هذا الإنسان؟! ومَن صوَّره؟! ومَن ركَّبه؟! ومَن شقَّ سمعه؟! ومَن شقَّ بصره؟! ومَن نفخ فيه الروح؟! مَن أعطاه هذا التناسق، وهذا البناء العظمي، والبناء الهضمي، والبناء الدموي، والبناء التنفسي؟! كل أجهزته متناسقة ومنظَّمة، ما رأيكم لو جاءت خلية الرِّجْل عند رأسه؟! فطلعت رِجْلُه في رأسه وعينه في رجله؛ لأنه ما من جزئية من جزئياتك إلا ولها في الأصل خلية صغيرة، فخلية العين تنبت عيناً، وخلية الإصبع تنبت إصبعاً، وخلية السمع تنبت سمعاً، وخلية الرِّجْل تنبت رِجْلاًَ؛ لكن وقت أن تضع هذه النطفة في رحم الأم فإن الخلايا كلها تكون موجودة، وكل خلية في مكانها، لا تتحرك حركة واحدة عن مكانها الثابت، ثم يحصل التوقيع، ويحصل النمو في تطور مراحل التقويم، ثم يجعل الله هذا الطفل في قرارٍ مكين، يقول الله:{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:٢٠ - ٢٤].
يخرج الطفل هذا وإذا به مخلوق، فمَن خلقه؟! الله.
حسناً الذي خلقه أليس قادراً على أن يعيده؟! لا إله إلا الله! {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الروم:٢٧] يذكر الله تبارك وتعالى في سورة الروم أن الإعادة أسهل من البداية.
عندما تبني جداراً ثم تهدمه، فإعادته أسهل من بدايته، لماذا؟! لأنك عندما بدأته جئت بحجارة، وجئت بطوب، وتعبت؛ لكن لَمَّا ترده فكل شيء موجود، الأعضاء موجودة؛ وهذا في مقاييس البشر، ولكن ليس عند الله أهون ولا أصعب؛ لأنه على كل شيء قدير.
يقول عزَّ وجلَّ في سورة الحج:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}[الحج:٥ - ٧] فالله تبارك وتعالى ذكر في القرآن عملية البعث، واستشهد عليها بمثالٍ يَتِمُّ الآن أمام أبصارنا وهو: إحياء الأرض بعد موتها، والذي أحياها قادرٌ على إحياء الناس بعد موتهم.
وهناك مماثَلة ومشابَهة بين إعادة الأجسام في إنباتها وبين إنبات النبات بنزول الماء، فإنها إذا نزل عليها الماء في الأرض تحركت وأنبتت ودبت فيها الحياة، وضربت الجذور في الأرض وسُقِيَت بماء السماء، فإذا هي نبتة خضراء جميلة فيها ثمار.