أخي المسلم! إنك لا تعلم يوم القيامة هل تقبل منك فريضتك أم ترد؟ وكما جاء في الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أول ما يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة الصلاة؛ فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن ردت رد سائر عمله) أيضاً: إذا حاسب الله العبد وردت عليه بعض فرائضه ونقصت عليه قال الله تعالى: (انظروا هل لعبدي من نوافل، فإن كان له نوافل أخذت ثم أكملت بها فرائضه، فإن لم يكن له نافلة طرح في النار) والعياذ بالله.
ومن منا يضمن أن يأتي بفريضته كاملة، هل أحد يضمن؟ أعطيكم مثالاً في يومنا هذا: صلينا المغرب ثلاث ركعات، من منا يضمن أنه صلى المغرب ثلاث ركعات ولم تخطر له خاطرة، أي: ولم يحصل له وسواس في شيء من أمور الدنيا؟
الجواب
لا أحد.
ليس هناك أحد أبداً مستحيل.
هل قال شخص: والله إني كبرت تكبيرة الإحرام وسلمت تسليمة الختام، وما خطر في قلبي من التكبيرة حتى التسليم شيء إلا الله والجنة والنار والدار الآخرة والقبر والعذاب، ولم أفكر في زوجة ولا عشاء ولا ولد ولا دراسة ولا سمرة ولا مباراة ولا لعبة ولا سهرة، هل يستطيع أحد أن يقول هذا؟ لا.
ولذا إذا أردنا أن نجري امتحاناً عملياً ونكتب في ورقة ونقسمها على الحاضرين في هذا المجلس -وأنتم الصفوة إن شاء الله- ونقول لكم: السؤال الأول: ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى؟ السؤال الثاني: ماذا قرأ الإمام في الركعة الثانية؟ كل واحد يجيب ويطبق الورقة ويأتي بها لنجري هذا الاستفتاء لنعرف من هم الذين عرفوا قراءة الإمام، وقد أكون وأنا الإمام نسيت ماذا قرأت؛ لأني ربما أقرأ وقلبي ليس معي، ولو سألنا هذا العمود الموجود في المسجد، وقلنا: يا عمود، يا مسلح، يا أسمنت، ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى؟ هل تظنه يرد؟ ماذا يقول العمود؟ يقول: لا أعلم، فلو أتينا بعمود ثان بشري من الموجودين وقلنا: يا عمود يا بشري يا متحرك: ماذا قرأ الإمام؟ وقال: لا أعلم، فما الفرق بين العمودين؟! هل يوجد فرق؟ الفرق هو: أن هذا ثابت وهذا متحرك، ولكن الثابت أكثر وجوداً من المتحرك في المسجد؛ فالمتحرك جلس ربع ساعة وهذا جلس أربعاً وعشرين ساعة، نعم.
فالعمود قد يكون أفضل، فالخشوع في الصلاة الآن مفقود عند كثير من الناس سواء المتكلم أو السامع إلا من رحم الله عز وجل!! فإذا أتيت يوم القيامة وصليت المغرب ثلاث ركعات؛ لكن الله لم يكتب لي منها إلا ركعة واحدة؛ لأنه جاء في الحديث:(للعبد من صلاته ما حضر فيها قلبه، يكتب للعبد من صلاته: نصفها، ثلثها، ربعها، خمسها، سدسها، ثمنها تسعها، عشرها، وبعضهم لا يكتب له من صلاته شيء) فإذا جِئتُ يوم القيامة وقد كُتب لي -إذا كنت من الخاشعين- ثلثها أو ثلثين، أو ركعتين؟! قال: أين هي؟ قال: هذه ركعتين في العشاء، وركعتين في السمرة، وركعتين في العمارة، وركعتين مع الأولاد، والذي لله بقي لله وسجل لك، والذي ليس لله ذهب للناس، يقول الله تعالى:(انظروا هل له شيء؟)، أي: يكمل به صلاته فإذا جئت وما عندك ما ترقع به فمن أين ترقع يوم القيامة؟ لم يبق إلا النار، لا إله إلا الله! فالرواتب مهمة -يا إخواني- جداً جداً.
بعض الشباب يلعب عليهم الشيطان، ويأتيهم من باب ما يحبون، فعندما يشم في قلوبهم الرغبة في فعل الخير يقول لهم: قد سمعتم في الحديث الصحيح (إن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) فيقول للإنسان: أنت صليت الفريضة من أجل أن تصير صلاتك فضيلة فصل النافلة في البيت، فإذا دخل الإنسان البيت نسي الله، ونسي الصلاة، فأول ما يدخل والعشاء أمامه، هل سيفكر في صلاة والسفرة موجودة؟ وبعد أن يتعشى أو يتغدى إذا كان بعد صلاة الظهر يغسل يديه وبعدها يدخل غرفته ليسمع أو يقرأ جريدة أو كتاباً أو ينام وذهبت السنن! ويأتي الشيطان ليضحك عليه، يأتي إليه ويتلفت فيه وقد ضيع الصلاة وضيع الفريضة فيأتي إليه ويضحك عليه ويقول: مغفل! تريد الفضيلة؟! ضيعناك منها كلها، لا فضيلة ولا غيرها.
فإن كنت من أهل الحرص الشديد وتعرف أنك بمجرد أن تدخل البيت تصلي النافلة، أو عندك ترتيبات خاصة لا تنام إلا بعد أداء الراتبة فأمر حسن، وإلا فصلها في المسجد؛ لأن حفظها خير من ضياعها نريد الربح مثلما يقولون، نريد أن نذهب إلى البيت لنصلي صلاة النافلة لنحصل على فضيلة فنضيعها ولا نصليها أصلاً، فاحرص عليها في مسجدك وعود نفسك باستمرار عليها حتى تصبح شيئاً طبيعياً، انظروا الآن آبائنا وكبار السن فينا والعوام منا الذين لم يطلبوا العلم ولم يعرفوا كثيراً من الأحكام الشرعية، ولكنهم لما ألزموا أنفسهم بالرواتب، فهم من يوم أن خلقوا لا يستطيعون تركها، وكثير من كبار السن معنا في هذا المسجد وفي كثير من المساجد إذا صلى لا يمكن أبداً أن تقول له: هيا، يقول: لم أصل السنة، طيب هذه نافلة، قال: لا يا شيخ! هذه سنة الرسول صلى الله عليهم وسلم، فأصبحت جزءاً من صلاته التي يصليها، بينما شبابنا إلا من عصم الله يصلي الفرض ويخرج، ماذا بك؟ قال: هذه سنة يا شيخ! ماذا بالسنة، والرسول يقول:(من رغب عن سنتي فليس مني) السنة أي: الطريقة، هذه طريقة النبي صلى الله عليه وسلم! أسنها لك وأمرك بها لتتركها، وتفرط فيها؟! هذه مصيبة أيها الإخوة! أما موضوعنا فلا يزال امتداداً للمواضيع السابقة عن الروح ورحلتها العظيمة منذ أن تستقر في الإنسان وحتى تستقر في الجنة أو في النار.