للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دوام ذكر الله]

الثالث: دوام ذكر الله؛ لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، الذين يحبون الرياضة يكثرون من ذكرها، ويقرءون الجرائد ويفتحون على الصفحات الرياضية مباشرةً، ويحبون أخبار الدوري، وأخبار الكأس، وأخبار البطل، وأخبار الوصيف، وأخبار النجم، وأخبار هذه الأشياء، لماذا؟ لأنهم أحبوها.

والذين يحبون السيارات والموديلات يتابعون أخبارها: الأمريكي والياباني والألماني والجديد، حتى أن بعضهم ليعرف السيارة على بعد كيلو متر يقول: هذه موديل واحد وتسعين، وما يدريك؟ قال: (الطيس).

والثاني قال: هذه (٩١)، قلت: بماذا؟ قال: لوحة سوداء يضعونها عند الكَفَر، واحد أنا والله ما أدري، قلت: كيف تفرق بين (٩٠) و (٩١)، قال: بهذه (طرنبيل) قطعة بلاستيك سوداء علقوها عند الكَفر الأخير، هذا الفارق بين (٩١) و (٩٠)، والشخص الذي معه (٩٠) يذهب بسيارته يبدل الرخصة تكون واحد وتسعين، لماذا؟ قال: فيها (طرنبيل)، والثاني، قال: فيها مرايا جيدة ورهيبة، و (الطيس) تولع، لا حول ولا قوة إلا بالله! كيف استخف الناس بعقولنا إلى هذه الدرجة! أتدرون -أيها الإخوة- أن هذه الأساليب أساليب الكفار؟ أساليب اليهود الذين يغرقون الأسواق الإسلامية بالسلع الاستهلاكية الرخيصة من أجل امتصاص ثرواتها، فهم يجددون ويضعون لنا في كل عام موديلاً وفي كل موديل خيط، بعضها يكون خيطاً أحمر أو أصفر، قال: واحد وتسعين فيذهب الشخص يبيع سيارته من أجل أن يأخذ خيطاً أصفر، قال: يا شيخ! هذه ممتازة، هذه خيطها أحسن من خيط تلك السيارة، والله هي هي، بل الموديلات الأولى أفضل، فلعبوا على عقول الرجال في السيارات، ولعبوا على النساء في الذهب وفي موضات الملابس والتشكيلات التي أضلت الناس والعياذ بالله.

فتجد الشخص الذي يحب السيارات يهتم بها ويسأل عن دقائق الأمور فيها، والذي يحب الأراضي والعقارات معلق قلبه بها، والذي يحب المزارع معلق قلبه بها، والذي يحب الله ورسوله معلق قلبه بالله ورسوله، فإذا رأيت إنساناً يذكر الله كثيراً فاعلم أن الله يحبه وهو يحب الله، وإذا رأيت إنساناً ساكتاً لا يذكر الله، فاعلم أنه مبغض عند الله، وقد بين الله عز وجل هذا في القرآن الكريم، فقال عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:١٤٢] يذكرون الله لكن قليلاً وهم منافقون، أما الذي لا يذكر الله بالكلية فهذا ميت -والعياذ بالله- (مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت).

وذكر الله من أحب الأعمال إلى الله لما روى أصحاب السنن حديثاً في السنن يقويه ويشده ويبجله الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الكلم الطيب، يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبركم بأفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله عز وجل) والله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:١٩١] فاستغرق الذكر جميع أحوالهم، فهم في ثلاث حالات ليس هناك حالة رابعة، الإنسان إما قائماً أو قاعداً أو نائماً، لكن المؤمن يذكر الله قائماً، ويذكر الله قاعداً، ويذكر الله على جنبه، فماذا بقي معه من وقت لا يذكر الله فيه؟ وبعد ذلك يذكرون الله في كل حين ووقت: {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران:٤١] {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:٢٠٥] فالذي يغفل عن ذكر الله هذا دليل على موت قلبه، وعلى عدم محبته لله، وعلى عدم محبة الله له.

والأذكار كما بينته في بعض الدروس خمسة أنواع أذكرها باختصار: ١) ذكر الله عند ورود أمره: إذا ورد عليك أمر الله ونفذته فأنت ذاكر.

٢) ذكر الله عند ورود نهيه: إذا ورد عليك نهي الله وتركت النهي فأنت ذاكر.

٣) ذكر الله في الأحوال والمناسبات: إذا دخلت المسجد وخرجت من المسجد، ودخلت بيتك وخرجت من بيتك، وأكلت الطعام وشبعت منه، وجئت زوجتك، وخرجت من الحمام ودخلت إلى الحمام، أي عمل تفعله فيه ذكر مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٤) ذكر الله المقيد بعدد معين، جاء في النص من قال مائة مرة، من قال كذا هذا تأتي به كما قال.

٥) ذكر الله المطلق وهو أن تذكر الله وأن يكون ذكر الله على لسانك، لما روى الترمذي عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! كثرت عليَّ شرائع الإسلام، فأخبرني بعملٍ أتشبث به وأوجز، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يزال لسانك رطباً بذكر الله).

وفي هذا يقول العلماء: إن هذا من دلائل نبوته ومن إعجازه صلوات الله وسلامه عليه، فإنه جمع له الدين كله في كلمة واحدة: (لا يزال لسانك رطباً بذكر الله) ومن هو الذي لا يزال لسانه رطباً من ذكر الله؟ إنه الذي يحب الله.

هل الزاني لسانه رطب من ذكر الله؟ أبداً.

لا يزني الزاني وهو يذكر الله، ولا يرابي المرابي وهو يذكر الله، ولا يغني المغني وهو يذكر الله، ولا ينظر في الحرام وهو يذكر الله، ولا ينام عن الصلاة وهو يذكر الله، من هو الذي يعمل هذا؟ الغافل عن الله.

أما الذي يذكر الله أبداً لا يمكن أن يعمل مثل هذه الأعمال، ولهذا وصاه النبي صلى الله عليه وسلم بدوام ذكر الله حتى قال: (لا يزال لسانك رطباً) وهذه استعارة بلاغية عظيمة بمعنى: أن الذي لسانه ليس فيه ذكر الله لسان ناشف، لسان حجري، لسان جاف، وقلبه قاسٍ -والعياذ بالله- قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:٢٢] إذا قسا القلب من ذكر الله قسا اللسان عن ذكر الله، وتحجرت العين عن البكاء من خشية الله، وقسا السمع من سماع كلام الله، وجفت الجوارح، وعجزت وتكاسلت عن القيام بأوامر الله لماذا؟ لأن القلب قاسٍ من خوف الله، قاسٍ من رحمة الله، قاسٍ من ذكر الله، أما إذا لان القلب لذكر الله دمعت العين من خشية الله، ورطب اللسان بذكر الله، وسمعت الأذن كلام الله، وسارت الرِجل إلى مساجد الله، وامتدت اليد في طاعة الله، وعَمَر الإنسان وقته كله بالإيمان بالله عز وجل.

فلابد -أيها الإخوة- من هذا الأمر وهو من أهم الأمور ومن أيسرها على الإنسان.