[حكم هجر الأخ لأخيه بسبب رفضه إعارته حاجة من حاجاته]
السؤال
أحد الإخوة يقول: لديَّ سيارة، وطلبني أحد الإخوة في السيارة ذات مرة، فاعتذرتُ إليه؛ لظروف خاصة بي، فغضب عليَّ، ومن ساعة منعتُ أن أعطيه لا يكلمني ولا يرد عليَّ السلام.
فهل أنا مخطئ في منع السيارة، أو لا؟
الجواب
أولاً: لستَ بمخطئ في منعك السيارة، فأنت حرٌّ في حقك، إن شئتَ أعطيتَ، وإن شئتَ منعتَ، وهذا الرجل أو الأخ الذي طلبك ارتكب خطأً مركباً: أخطأ في السؤال، وأخطأ -أيضاً- في المؤاخذة بغير حق، والسيارة مما لا ينبغي للإنسان أن يعيرها، ولا ينبغي أيضاً للأخ أن يسألها؛ لأنها إلى جانب كونها وسيلة نقل فهي -أيضاً- وسيلة قتل، أليس كذلك؟ والحُكماء المعاصرون يقولون: ثلاث لا تُعار: الأول: المرأة، فلا أحَدَ يُعِيْر امرأتَه.
الثاني: السلاح، فإذا كان لديك سلاح شخصي، وعليه ترخيص رسمي، وجاء رجل وقال: أنا أريد سلاحك، فقلتَ له: لماذا؟ قال: لديَّ ضيف، أريد استقباله بالبُنْدُق، فلا تعطه؛ لأنه لو قُتل به أحدٌ أو أخطأ به فمن المسئول؟ المسئول هو أنت، فلا تعر سلاحك.
الثالثة: السيارة.
لأنها وسيلة قتل، فلو أعطيت شخصاً سيارتك، وذهب ودهس بها شخصاً آخر، فعلى مَن ستقبض السلطات؟ ستقول لك السلطات: السيارة لمن؟ ستقول: لي، فتقول لك: لماذا إذاً تعطيه سيارتك؟! وأيضاً فهي من الوسائل التي يمكن أن يترتب على إعارتها ضرر فيها، وربما كان الضرر هذا والخراب من وجودها عند المستعير، فربما كان في سيارتك ضرر، فجاء شخص وأخذها منك، يريد بها مشواراً، وذهب بها في الطريق، ومن ساعة أن ذهب بها مشواره تعطل شيء في السيارة، وطبعاً لم يتعطل هذا الشيء من تلك اللحظة، وإنما كان نتيجة استعمال كثير، ولكنه أجْهَزَ عليه المستعير في آخر لحظة، فماذا سيفعل؟ هل سيأتي إلى صاحب السيارة ويقول له: خذ مفتاحك، شكراً، أم يذهب ليصلحها؟! طبعاً إذا كان صاحب مروءة، وإحساس، وهو الذي عطلها، فلا يردها إلا صالحة، رغم أنه لم يكن سبباً في تعطيلها بالكلية، وإنما العطل موجود منذ زمن، وكذلك ربما تؤدي إلى خراب فيها عن طريق حادث مروري، فيأخذها المستعير، ويذهب بها، فيصدم بها، ثم يأتي عند صاحبه صاحب السيارة، فيقول له: أخذتُها وصدمتُ بها، فماذا يكون موقفك منه؟! طبعاً السيارة لك، فيؤلمك قلبُك، وسيكون موقفك مؤلم، فيضطر إلى أن يستلف ويذهب لإصلاح السيارة، ويعطلها عن العمل شهراً أو عشرين يوماً في الورشة، فلماذا يُحرج المستعير نفسه هذه الإحراجات؟ فيا أخي! لا ينبغي أن تسأل زميلك السيارة إلا إذا كان الغرض للدعوة وللخير، وكان تطوعاً من صاحب السيارة، وقال لك: خذ سيارتي واذهب، أما أن تقول له: من فضلك، هات المفتاح، أقضي لازماً، أو أذهب مشواراً، فلا.
لا تسأل أحداً شيئاً، وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم قالها لأحد الصحابة، قال: (لا تسألنَّ شيئاًَ، ولو سوطاً)، فسوطُك الذي يقع منك، لا تقل لآخر: من فضلك أعطني السوط، لا.
بل خذه أنت، ولو كنتَ في المسجد وأنت جالس، وتريد مصحفاً، وقام رجلٌ من جانبك إلى رف المصاحف فلا تقل له: هات مصحفاً، لا.
بل قم أنت وخذ المصحف، لماذا تتعب الناس؟ من هم الناس؟! هل الناس خدم لك؟! بعض الناس عندما يكون في المسجد ويريد القيام، يقول: من فضلك، هات العصا؛ لكي لا يمد بنفسه ويأخذ عصاه، أو يقول: من فضلك، أسندني، هذه إحراجات لا تنبغي، الإسلام يربي فينا الاستقلالية، ويربي فينا الاكتفاء، وعدم الإحراجات للناس، يقول أحد الحكماء: صبري على نفسي، ولا صبر الناس عليَّ.
أليس كذلك؟ اصبر على نفسك، امشِ على رجلك، اذهب على سيارة أبيك، أو أخيك، أو لا داعي للمواعيد، أو يأتي صاحب السيارة الذي تريد أن تذهب على سيارته ويوصلك هو بنفسه ويسوق سيارته بنفسه، أما أن تحرجه وتضعه في موقف حرج، إما أن يعطيك وهو كاره، أو يعتذر منك فتغضب عليه، مثلما صنع أخونا المستعير، فهذا خطأ.
فنحن نقول للأخ الذي سأل السيارة: أخطأت في هجرك لأخيك، وعليك من الآن، بمجرد أن تصلي إن كنت معنا -وأعتقد أن السائل ما سأل إلا وزميله هنا- فبمجرد ما تخرج من المسجد، أو الآن قبل الصلاة سلِّم عليه، وقل له: سامحك الله، وأنا أخطأت عليك، واعفُ عني؛ لأنه لم يخطئ عليك، وإنما منع سيارته، وسيارته من حقه، فهل تؤخذ غصباً؟! فلا تغصبه على حقه يا أخي! فعندما اعتذر تغضب عليه؟! (أحشفاً وسوء كيلة؟!)، ما يجوز لك يا أخي! هذه سيارته، لا يريد أن يعطيك، وكثَّر الله خيره، وربما منعك من شر، وربما لو أخذتَها حصل لك حادث أو دهستَ بها شخصاً أو انقلبتَ، فقد حال بينك وبين السوء.
فلا ينبغي أيها الإخوة أن ننهي العلاقات بيننا بهذه الجزئيات البسيطة، لا تستعر يا أخي! من أحد شيئاً، وإذا استعرت من أحد مضطراً، واعتذر إليك، فلا تأخذ على خاطرك منه ولا تغضب عليه بأي حال من الأحوال.