الرابع: دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فإن سيرته وأحواله وشمائله وأخلاقه ترجمة عملية للإسلام، تقول عائشة وقد سئلت عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، قالت:(كان خلقه القرآن).
فإذا أردت أخلاق الرسول فاقرأ القرآن، فإنه صلى الله عليه وسلم كان متمثلاً القرآن في كل حركته؛ في بيعه وشرائه، وسلمه وحربه، ونومه ويقظته، وأكله وشربه، وسفره وإقامته، وتعامله مع نفسه وأولاده وزوجاته، وقد جمع الله له جميع الكمالات البشرية حتى شهد الله له وقال:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:٤] الكمالات موزعة في الأنبياء وفي البشر، لكن هي عند محمد مكتملة، يقول الله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}[الأنعام:٩٠] أي: الأنبياء {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام:٩٠] الذي تراه عندهم اقتد به كله يا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأذكر لكم حديثاً في البخاري، يقف الإنسان عنده موقف المتعجب: كان عنده صلى الله عليه وسلم بعض نسائه، فأرسلت زوجة له أخرى طعاماً في إناء مع غلام لها، ففتحت الذي عندها الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا بالغلام ومعه الطعام، فقالت: ما هذا؟ قال: هذا طعام من فلانة -ضرتها- لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضبت وضربت يد الغلام، فسقط الإناء وانكسر وانتثر الطعام، والرسول صلى الله عليه وسلم ينظر الوضع، فماذا فعل صلى الله عليه وسلم؟ انظروا إلى الإنسان العظيم، لو أنه واحد منا لأخذ العصا وقام بضربها، وقد يطلقها وتحدث مشكلة، لكن لم يغضب وإنما قال:(غارت أمكم، غارت أمكم، غارت أمكم) قدر لها صلوات الله وسلامه عليه هذا الموقف؛ لأن الباعث عليه هو الحب والغيرة، وأيضاً الأحقية، تقول: هذا اليوم لي، فليس من حق أي شخص أن يطعم الرسول في بيتي، أنا أطعم الرسول صلى الله عليه وسلم وتلك تلاحقني بالطعام حتى في بيتي! ثم قام الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ إناءً من بيتها وجعل فيه طعاماً غير الذي جاء به الغلام، فأرسله إلى صاحبة الطعام الأول وقال:(طعام بطعام، وإناء بإناء) رده إلى صاحبته وانتهت المشكلة.
بعض البيوت -أيها الإخوة- تحترق وتدمر، ويحصل الطلاق، وتشتت الأسرة بكلمة واحدة تقولها المرأة، أو بتصرف يعمله الولد، فيرتكب الرجل حماقة ويغضب، فتراه يضرب ويطلق ويعتدي على امرأته المسكينة، ويجعل نفسه بطلاً وهو في الخارج دجاجة لا يساوي شيئاً، لكن عند المرأة أسد، فلا تستأسد على امرأتك، لا يكرم امرأته إلا كريم ولا يهينها إلا لئيم (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) ولا تتصور أنك عندما تكون طيباً في بيتك ستصبح ممتهناً أو ذليلاً، لا والله! بل هذا من أعظم معاني الرجولة، لكن بشرط: ألا تضيع وتذوب شخصيتك فيحصل الخطأ في بيتك وأنت لا تستطيع أن تغيره، كن متوازناً، هناك بعض الرجال يُطلق الحبل للمرأة حتى أنه لم يعد يأمرها بشيء، فتخرج متى أرادت، وتأتي بالذي تريد، تركها تفعل ما تشاء فهي سائبة، وبعضهم تجده شديداً، والشرع وسط في التعامل، تعطيها حقها وتكرمها، ولكن يجب أن تكون صاحب القرار في الأسرة، ولك الأمر فيها، لا يحدث شيء إلا بأمرك؛ لأنك صاحب الأسرة وربها ووليها.
هذا هو الرابع وهو دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم، وأحسن ما ندل الناس عليه هو كتاب اسمه: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه.