للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التقيد بالمراحل التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله]

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فهذه المحاضرة تلقى في جامع الشربتلي بمدينة جدة، بعد مغرب يوم السبت الموافق: (٢٥) من شهر محرم الحرام عام (١٤١٨هـ) على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

ويأتي هذا الدرس ضمن السلسلة الشهرية المعنونة بـ: "تأملات في السيرة النبوية" وعنوان هذه المحاضرة: "مراحل الدعوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم" إذ مرت الدعوة في حياته صلوات الله وسلامه عليه بمراحل، التي يقسمها العلماء إلى أربع مراحل: المرحلة الأولى: الدعوة السرية والتي استمرت ثلاث سنين.

المرحلة الثانية: الدعوة الجهرية، ولكن مع كف اليد عن القتال، وإنما فقط الدعوة بالكلمة دون المواجهة، واستمرت هذه إلى الإذن بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.

المرحلة الثالثة: استمرارية الدعوة جهراً مع قتال المبتدئين بالقتال، واستمرت إلى وقوع صلح الحديبية وتوقيع المعاهدة مع المشركين في عام الحديبية.

المرحلة الرابعة: وهي استمرارية الدعوة جهراً مع قتال كل من يقف في طريق الدعوة، ويصد عن سبيل الله عز وجل.

هذه هي المراحل التي مرت بها الدعوة في بداياتها، وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد يتبادر إلى الذهن

السؤال

هل يجب على كل من يدعو إلى الله التقيد بهذه المراحل بمداها الزمني، كما وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم، بحيث لا يدعو أول شيء إلا سراً، ثم ينتقل جهراً؟

و

الجواب

إن ذلك غير مطلوب من الدعاة أن يتقيدوا بذلك؛ وذلك لأن المدى الزمني الذي حددت فيه تلك المراحل تقدير رباني، وليس جهداً بشرياً فقط، فالتقيد بهذه المراحل لا يتلاءم ولا يتماشى مع مرونة الإسلام في معالجة الأمور ومواجهة القضايا.

والسيرة النبوية تمثل حركة الإسلام، وتفتح أمام الدعاة والعاملين للإسلام نماذج كثيرة لخيارات متعددة، بحسب الأحوال والملابسات التي يعيشها المسلم، فقد تقتضي الضرورة في بعض الظروف أن تكون الدعوة سراً، وذلك في البلاد الكافرة التي تحارب الإسلام وتحارب الدعاة، فهناك لابد للمسلمين الذين يريدون نشر الدين أن ينشروا دينهم بطريقة سرية، حتى لا تضرب دعوتهم من قبل الكفار.

أما إذا كانت الدعوة تمارس في بلاد المسلمين، فليس لدى المسلم شيء يخفيه على المسلمين، فنحن عندما ندعو الناس إلى الله لا نقدم لهم شيئاً نخاف عليه أو نخشى منه، نحن نقدم لهم وسيلة النجاة، وندعوهم إلى سفينة الخلاص من ورطة الدنيا والآخرة، والإسلام هو البديل الصحيح، وهو يمثل الخلاص من ورطة الدنيا والآخرة، فما نقدمه للمسلمين إنما هو عملية تذكير لهم، فلا نخاف على شيء ولا نخشى من شيء، وبالتالي لا داعي للسرية؛ لأنك تمارس دعوتك بين المسلمين، وظروف الغفلة والشهوات والشبهات التي أضلت بعضهم تقتضي أن تذكرهم، ولهذا جاء الأمر من الله عز وجل بالدعوة إلى الذكرى، قال عز وجل: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٥٥] {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:٩ - ١٠].

وخلاصة القول في الموضوع هذا: أن قضية الدعوة سراً أو جهراً إنما تقدر بقدرها، بحسب الظروف التي يعيشها الداعية والمسلم في زمانه ومكانه، ولكل حال وزمان علاج يناسبه، وقد لا يناسبه في زمان آخر ولا في مكان آخر.

وسنتحدث إن شاء الله بالتفصيل عن المراحل الأربع مرحلةً مرحلة.