[أثر مطية الدنيا على من امتطاها]
عنوان المحاضرة (هذه الأيام مطايا) والناس راكبون عليها، ينزلون من مطية الليل ويركبون مطية النهار، وينزلون من مطية النهار ليركبوا مطية الليل، ومطية تحمل وأخرى تضع، حتى تنتهي الرحلة، وفي نهايتها يعامل الإنسان على ضوء ما عمل في هذه الرحلة.
هذه الأيام مطايا أين العدة قبل المنايا أين الأنفة من دار الأنايا أين العزائم أرضيتم بالدنايا إن بليَّة الهوى لا تشبه البلايا وإن خطيئة الأحرار لا كالخطايا
يا مستورين ستظهر الخفايا قضية الزمان لا كالقضايا ملك الموت لا يقبل الوساطة ولا يأخذ الهدايا أيها الشاب! ستسأل عن شبابك أيها الكهل! تأهب لعتابك أيها الشيخ! تدبر أمرك قبل سد بابك
يا مريض القلب! قف بباب الطبيب يا منحوس الحظ! اشك فوات النصيب
لذ بالجناب قليلاً وقف على الباب طويلاً واستدرك العمر قبل رحيله وأنت بداء التفريط عليلاً
يا من عليه نُذر الموت تدور يا من هو مستأنس في المنازل والدور لا بد من الرحيل إلى دار القبور والتخلي عما أنت به مغرور غرك والله الغَرور بفنون الخداع والغرور
يا مظلم القلب وما في القلب نور الباطن خراب والظاهر معمور إنما يُنظر إلى البواطن لا إلى الظهور لو تفكرت في القبر المحفور وما فيه من الدواهي والأمور كانت العين منك تدور
يا من يجول في المعاصي قلبه وهمه يا معتقداً صحته في ما هو سقمه يا من كلما زاد عمره زاد إثمه يا قليل العبر وقد دق عظمه يا قليل العقل وقد تيقن أن القبر عما قليل يضمه كيف نعظ من قد نام قلبه لا عينه وجسمه
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم، قد كبلتك خطيئتك.
وقيل لـ ابن مسعود رضي الله عنه: [ما نستطيع قيام الليل، قال: قيدتكم خطاياكم].
قال الأصمعي رحمه الله: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا أطوف بالكعبة بالليل، وكانت ليلة قمراء، إذ أنا بشاب ظريف الشمائل، حسن الوجه، عليه أثر الخير، وإذا هو متعلق بأستار الكعبة ويقول: [إلهي وسيدي ومولاي! غارت النجوم، وهدأت العيون، إلهي! أغلقت الملوك أبوابها، وقامت عليها حجابها، وبابك مفتوح للسائلين، جئت أنتظر رحمتك يا كريم] فما زال يردد هذا الدعاء حتى وقع مغشياً عليه، قال: فدنوت منه فرفعته فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، قال: فبكيت لبكائه، فوقعت قطرة من دمعي على خده فأفاق، وقال: من هذا الذي شغلني عن ذكر مولاي؟! فقلت له: يا ابن بنت رسول الله، أنا الأصمعي، فما هذا البكاء وما هذا الجزع؟ أليس الله يقول فيكم أهل البيت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:٣٣]؟ فقال: [هيهات هيهات يا أصمعي، إن الله خلق النار لمن عصاه وإن كان حراً قرشياً، وخلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً] قال: فتركته على حاله ومضيت.