الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة: هذا الدرس يلقى في مسجد (الأمير متعب) بمدينة جدة بعد مغرب يوم السبت الموافق للتاسع والعشرين من شهر رجب عام (١٤١٥هـ) وهو ضمن السلسلة المعلن عنها بعنوان: تأملات قرآنية من سورة الأنعام.
وتأملات هذه الليلة ستقف بنا عند وقفةٍ بعنوان:(عقوبات الذنوب والمعاصي) الذنوب التي تدمِّر أصحابها، والمعاصي التي تهلك مقترفيها، وبيان سنّة الله التي لا تتبدل، والتي يجريها الله عز وجل في كل زمان ومكان، ومع أي جنس من البشر، إذ لا يربط الناس بالله غير العبودية، فليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب ولا سبب إلا سبب العبودية، فمن كان طائعاً لله أعزه الله في الدنيا، وأنجاه من العذاب في الآخرة، ومن كان عاصياً لله أذله الله في الدنيا وأخزاه بالعذاب في النار في الدار الآخرة، فهذه سنة الله في خلقه.
إن الله خلق النار لمن عصاه وإن كان حراً قرشياً، وخلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً، واقرءوا قول الله عز وجل:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ}[المؤمنون:١٠١ - ١٠٥] يخاطبهم الله على سبيل التبكيت والاستهزاء، وإلا فالله يعلم أنه قد أنزل عليهم القرآن وتليت عليهم آياته، وأنهم رفضوها:{أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}[المؤمنون:١٠٥] أي: ألم تكن آيات الله التي جاءت من عنده ومنزلة في كتابه تتلى عليكم؟! وما معنى أنها من الله؟ يعني ذلك: الانصياع والانقياد والإذعان، ومن يرفض ويعاند ويستمر في مخالفة أمره عز وجل رغم علمه؛ يذله الله ولا يهديه أبداً، لماذا؟ لأن الله أراه الطريق الصحيح فتعامى عنه، يقول الله عز وجل:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ}[الجاثية:٢٣] من يهديه من بعد الله؟ ما دام أن الله أضله وختم على سمعه وقلبه، فلا يسمع كلام الله ولا يفقهه {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً}[الجاثية:٢٣] فلا يرى طريق الله، فمن يهديه من بعد الله؟! ولماذا أضله الله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة؟ لأنه {اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[الجاثية:٢٣] لو اتخذ إلهه مولاه لهدي، ولكن لما اتخذ إلهه هواه أضله الله، حتى لا يأتي شخص فيقول: إن الله هو الذي ختم على قلبه وسمعه وقدر عليه الغواية، فنقول: لا.
إنما ختم الله على قلبه وسمعه وبصره حين اتخذ إله هواه.