[مدخل الشبهات]
ما هي الشبهات؟ ما يلقيه الشيطان في عقل الإنسان من الأفكار الخبيثة: شبهة الكفر، شبهة وجود الله أو عدمه، شبهة أن الرسول صادق أو غير صادق؟! شبهة هل هذا الدين حق، أو ليس بحق؟ شبهة هل في القبر عذاب أم لا؟ شبهة هل في الآخرة نار وجنة أم لا يوجد؟ من يورد هذه الأفكار؟ الشيطان، قال الله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} [النساء:١٢٠].
شبهة حب الزنا وتزيينه، شبهة حب الربا وأنه أحسن شيء لتنمية الأموال، وتكثير الأرصدة في البنوك، شبهة الاعتداء والعدوان، هذه اسمها شبهات، ترد على الإنسان.
ومحاربتها عن طريق تعميق قضايا الإيمان في النفس البشرية، وقطع دابر الشيطان بالقطع اليقيني وبالجزم الإيماني على أن كل حقائق الإيمان حق، لا يخالطك فيها شك، تزول الجبال ولا تزول عقيدتك في الله عز وجل، وأدلة هذا مبثوثة في الكون كله:
ففي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
ويقول الله تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [محمد:١٠] {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:٦] والكون مبثوث فيه جميع الآيات الكونية التي تدلك على الله تبارك وتعالى، بل السماء والأرض، والليل والنهار، والشجر، والجبال، والدواب والأنهار، والثمار، كل هذه إذا تفكرت فيها تجد أن آثار القدرة الإلهية فيها، تدلك على الله الذي لا إله إلا هو، يقول الشاعر:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاهدات بأن الله ليس له شريك
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
تبارك وتعالى، فحينما تتأمل وتتفكر تقطع الطريق على الشيطان وتقول: لا إله إلا الله، الله حق والشيطان يخسأ، قاتله الله، تفكر في نفسك أنت يا أخي، وفي خلقك وتركيبك وفي خلياتك وجزئياتك، وفي أكبر شيء فيك، في كل جزئية منك آية تدل على الله، وسوف أتكلم معكم فقط عن جزئية أو جزئيتين من خلقك أيها الإنسان أولها: القلب.
القلب: مضخة أوجدها الله في الجسم، وهي مضخة حساسة ولها أهمية كبيرة، بحيث تشتغل مدى الحياة، وإذا توقفت لحظة ما الذي سوف يحصل؟ يموت الإنسان، إذا توقف القلب لحظة واحدة يموت الإنسان، يسمونها جلطة، أو السكتة القلبية، أي: سكت القلب فمات الإنسان، هذه العضلة يقول العلماء: تضخ في كل دقيقة ثمانين ضخة، هي عضلة، هذه الضخة ماذا تصنع؟ ترسل الدماء، مثل المكينة؛ تسحب الدم وتذهب به إلى العروق والجسد، وإذا توقفت هذه المضخة فإن الإنسان يموت مباشرة، فهي تضخ ثمانين ضخة في كل دقيقة، أي: في اليوم الواحد أكثر من مائة ألف ضخة، وفي عشرة أيام مليون ضخة، وفي شهر ثلاثة ملايين ضخة، وفي عشرة أشهر ثلاثين مليون ضخة، وفي عشر سنوات ثلاثمائة مليون ضخة، وأي جهاز وأي مكينة تقوم بهذا العمل ولا تخرب ولا تتوقف؟! لا إله إلا الله! من الذي يجري لها صيانة؟ من يزيتها؟ من يعرف عنها شيئاً؟ لا إله إلا الله! هذه المضخة العظيمة، التي هي آية من آيات الله تبارك وتعالى، تضخ بعضلة لا إرادية، أي: عضلة أوتماتيكية من عند رب العالمين، فما لك فيها علاقة أنت، لكن عضلة يدك بعضلة إرادية، هذه عضلة وهذه عضلة، عندما تريد أن قبض يديك تقبضها، أو تمد عضلة رجلك تقوم وتقعد وبكل عضلاتك، لكن قلبك بعضلة تشتغل بدون إرادة منك؛ لأنها لو توقفت لتوقفت حياتك، فالله خلقها عضلة أوتماتيكية، فما ظنكم لو أن عضلة القلب إرادية، بحيث من أراد أن يعيش يحرك عضلة قلبه، والذي لا يريد أن يعيش يوقف عضلة قلبه ويموت، هل كان أحد سوف يشتغل بغير قلبه؟ لا أحد يعمل عملاً إلا وقلبه ينبض حتى لا يموت؛ لأنه إذا وقف مات، وبالتالي كيف يعيش الإنسان؟ كيف يعمر؟ كيف يبني؟ كيف يشتغل؟ كيف يكتب؟ كيف يعمل أي شيء، بل كيف ينام؟ إذا جاء لينام يدعو امرأته، يقول: تعالي، أنا سوف أنام قليلاً، ضعي يدك على قلبي ويدك الثانية على قلبك، لكن لا تغفلي، سوف نموت كلنا، فيرقد له ساعة وبعد ذلك إذا أرادت أن تنام قامت ترمحه برجلها، قم شغِّل قلبي وقلبك، أريد أن أرقد ساعة، لكنك نائم وقلبك يعمل -يا أخي- ثمان ساعات وقلبك يشتغل! وزوجتك راقدة وقلبها يعمل، وأبناؤك راقدون وقلوبهم تعمل! من الذي شغل هذه العضلة؟! لا إله إلا الله! وبعد ذلك من أسرار الخلق أن الله جعل في كل آدمي من الأعضاء النافعة اثنين اثنين، والأعضاء الضارة واحداً واحداً، إلا القلب عضلة نافعة وهو واحد، فيوجد سر؛ العين منها اثنتان، لماذا؟ لأنها نافعة، فقد يصاب الإنسان بمرض بعينه أو عور أو ألم أو إصابة، فيكون معه عين ثانية، أليس كذلك؟ وكثير من الناس الآن عيونهم مفتحة لكن لا يرى إلا بعين واحدة، وواحدة فيها ماء، وكثير من الناس تصيبهم حوادث وتعمى عيونهم، فإذا تعطلت واحدة إذا بالثانية تعمل.
وهناك أذنان، حتى إذا أصيبت واحدة بالصمم إذا بالثانية تعمل، وكثير من الناس لا يسمعون إلا بأذن، لماذا؟ انخرقت الطبلة؛ ما رأيكم لو كان له أذن واحدة؟ كانت مصيبة.
وبعد ذلك جعل الله عز وجل يدين، تنقطع واحدة وإذا بالثانية شغالة، وجعل الله رجلين، وجعل الله كليتين، والناس الآن يعيشون بكلية واحدة، فترى أنه لا يشتغل الآن عندك إلا واحدة، تشتغل الاثنتين لكن بالتناوب، لكن إذا ذهبت واحدة تقوم واحدة مدى الحياة بالعمل، فأعطاك الله صفايتين، لماذا؟ من أجل ألا تخرب واحدة فتموت فوراً، وإذا بالثانية تعمل، أو تتبرع لأحد أقربائك فتعطيه كليتك، من ركب هذه الكلية؟! لا إله إلا الله! وهناك رئتان، إذا خربت واحدة إذا بالثانية شغالة، لكن الأشياء الضارة، واحدة واحدة، عضلة اللسان واحدة، وفرج واحد، ما رأيك لو أن معك لسانين، واحداً هنا وواحداً هنا، أنت الآن ما نجحت مع لسان، ما أمسكته، أفسدت الدنيا بلسانك، ولا نجحت في الدنيا بفرج واحد، ولو كان معك فرجان، كان ذلك هماً عليك كبيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فجعل الله لك من النافع اثنين ومن الضار واحداً إلا القلب جعله واحد وهو نافع، لماذا؟ قال الله عز وجل: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:٤] لماذا؟ لو أن معك قلبين، والقلب هو مركز الإحساس، لكان قلب يريد أن يرقد، وقلب يريد أن يذهب للعمل، وقلب يحب فلاناً، وقلب يكرهه، وقلب يريد أرزاً وقلب يريد عصيدة ومرقاً، وقلب يريد أن يواصل الدراسة، وقلب يقول: لا والله، لا أواصل، فمن تطيع منهم الآن؟ فهذا لا يصلح، إنه لا يصلح إلا قلب واحد: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:٤].
هذه آية من آيات الله، في كل جزئية منك! ورأسك، من رقبتك إلى فوق، تجد أن الله أجرى في هذا الرأس أربعة أنهار: نهر في العين مالح، ونهر في الأذن مر، ونهر في الفم عذب، ونهر في الأنف مخاطي مالح، من الذي أفرز الأنهار هذه كلها والمادة كلها واحدة، مالح في عينك، لماذا؟ لأن عينك شحمة، لو لم يكن فيها مادة مالحة لتعفنت ودودت وظهر الدود من عينك، ومر في أذنك، لأن أذنك مجرى للسمع، فلو ما جعل الله هذه المادة الصمغية المرة موجودة لقمت في الصباح ومسمعك مليء بالبراغيث أو بالقمل، ودخلت في رأسك، فمن الذي سوف يخرجها من رأسك؟ لكن الله جعل هذه المادة السامة المرة، بمجرد وأنت نائم تأتي الحشرات إلى مسمعك، ثم تهرب ولا تدخل مسمعك من الذي قام في يوم من الأيام وقال: والله في مسمعي حشرات؟ لا تستطيع أن تدخل؛ لأنه يوجد مادة ضدها.
وفمك جعل الله فيه اللعاب، اللعاب حلو ومذاقه طيب، لماذا؟ من أجل أن تهضم به الطعام وتمضغه، وتقطع وتكسر وبعد ذلك تنزل! وجعل الله المادة المخاطية في أنفك، لماذا؟ لتمتص وتحجز الأتربة والغبار الذي يدخل رأسك، ولو كنت الآن في المزرعة من الصباح إلى الظهر ثم جئت تتوضأ وتستنثر، أما تلاحظ أنه يخرج من الاستنثار تراب؟ أين كان هذا التراب؟ لقد أمسكته الأغشية التي في الأنف، ولولاها لدخلت إلى رأسك ودخل غداً مثلها وتتكون في رأسك كوم طين من يخرجها من رأسك؟ وما ظنك لو أن الله تبارك وتعالى جعل المادة التي في أذنك تفرز من فمك، فكيف تأكل؟! أو جعل الله المادة التي في أنفك تخرج من فمك؛ المخاط، كيف تصنع؟! أو جعل الله المادة الملحية تخرج من فمك، كيف تصنع؟ لكن من عَلَّم العين أن تفرز مادة ملحية؟ من علم الأذن أن تفرز مادة صمغية مرة؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو.
لا إله إلا الله نقولها ونقطع بها دابر الشيطان ونرد الشيطان، هذا في إيمانك في الله.
أما في إيمانك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فتؤمن به إيماناً جازماً ليس فيه شك؛ لأنه الصادق المصدوق، بعثه الله بالهدى ودين الحق، وأيده بالمعجزات الخالدات، أعظم معجزة على وجه الأرض القرآن، يقول الله تعالى فيه: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:٥١] ثم أيده الله بمعجزات كثيرة، قال العلماء: إنها أكثر من ألف معجزة، كلها أدلة قائمة وبراهين على أنه نبي، منها: أذكر لكم أمثلة بسيطة وليس هذا مقام الحصر ولكنه مثال، وإلا فمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم ما ورد في السنة من الأحاديث الكثيرة، منها: حنين الجدع.
كان صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع من نخل، وجاءت امرأة من بني النجار، وأمرت علامها فصنع له منبراً من ثلاث درجات، فلما جاء يوم الجمعة، صعد المنبر وترك الجذع، فبدأ الجذع يحن عليه كما تحن الناقة على فصيلها حتى سمع الصحابة كلهم حنين الجذع، فقطع الخطبة ونزل من المنبر، وجاء إلى الجذع، وضمه على صدره وجعل يسكته كما تسكت الأم طفلها حتى سكت، صلوات الله وسلامه عليه.
منها: إيمان الضب؛ فقد كان رجل من بني سليم يكره النبي صلى الله عليه وسلم كراهية شديدة.
يقول: دخلت مكة فإذا الناس مجتمعون على الرسول صلى الله عل