للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحاسة التي يتميز بها الإنسان عن الحيوان]

أيها الإخوة: عنوان المحاضرة: بصيرة المؤمن.

هناك حواس زود الله الإنسان بها لإدراك ما في هذه الحياة، لمعرفة الوسط الذي يعيش فيه الإنسان، حاسة البصر يطل منها الإنسان على عالم الألوان، فيرى الأبيض والأسود والأحمر والأزرق والأصفر بعينه، فحاسة العين تطل على عالم الألوان، وحاسة الأذن تطل على عالم الأصوات، صوت محمد وعلي وعبد الله وفلان، تعرف الصوت بأذنك، وحاسة الشم يطل منها الإنسان على عالم الروائح، إذا أردت أن تشم رائحة عطر هل تشمه بأذنك، أو تقربه إلى عينك، أو تطعمه بلسانك، أين تضعه؟ في أنفك؛ لأن أنفك هو الذي يعطيك دليلاً على نوعية هذا العطر أو هذه الريح، وحاسة اللسان تطل منها على عالم الطعام والأذواق، إذا أردت أن تعرف طعم التفاح لا تضعه عند عينك، ولا تضعه عند مسمعك، وإنما تذوقها بلسانك، وحاسة اللمس تطل منها على عالم الأجسام، فتعرف الحديد من الخشب، والجدار من الإسفنج؛ فتعرف أي شيء عن طريق حاسة اللمس، هذه خمس حواس.

وهذه الخمس الحواس ليست خاصة بالإنسان، بل مع الإنسان ومع الحيوان، بل ربما عند بعض الحيوانات حواس أدق وأقوى من حاسة الإنسان، الطائر الصغير: العصفور يعيش في جو السماء، ولكنه بعينه الصغيرة التي هي مثل حبة البلسن، أو مثل حبة العدس يرى الحبة في الأرض، وهو في السماء فينزل ويأخذها، عينه صغيرة والحبة أكبر من عينه ولكن يراها بعينه الصغيرة، عنده قدرة على رؤية الأشياء البعيدة بأدق إمكانية.

حاسة السمع موجودة عند بعض الحيوانات تسمع على مدى بعيد، وكذلك حاسة الشم بشكل عجيب، كل هذه الحواس موجودة عند الإنسان وعند بقية الحيوان، بل بعض الحيوانات كما قلت أكبر، فعين الثور مثلاً كبيرة جداً لكنه ثور، وعين الحمار كذلك كبيرة لكنه حمار لا تنفعه.

ولكن يتميز الإنسان عن سائر الحيوان بحاسة سادسة ليست مع الحمار، ولا مع الطائر، ولا مع السمك، ولا مع أي شيء من البهائم والأنعام، إن الحاسة السادسة هي البصيرة التي بها يكون الإنسان إنساناً، وبعدمها يكون الإنسان حيواناً بل أرذل من الحيوان.

واسمعوا ماذا يقول الله عز وجل: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] فالعمى ليس عمى العين، العمى عمى القلب، عمى البصيرة، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى} [الإسراء:٧٢] يعني: أعمى القلب {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:٧٢] من كان في هذه أعمى هل يعني: أعمى العيون؟ لا.

لأن عمى العين ليس باختيارك، هل هناك أحد يغمض عينيه ويخيطها ويعمى، لا.

الله يفرضها على الإنسان، فالمؤمن يرضى بقضاء الله إذا ذهبت عيناه ويستسلم، وإذا رضي واحتسب أبدله الله الجنة، ورد في الحديث القدسي: (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر لم يكن له عوض عندي إلا الجنة) فإذا أخذ الله منك هذه الحاسة وعوضك بحاسة الإيمان ما خسرت، لكن إذا زودك بهذه الحاسة -حاسة البصر- وحرمت حاسة البصيرة فلم تعش حياة الإيمان لم تنفعك هذه العيون، فهو أعمى في الدنيا وأعمى في الآخرة يقول الله عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:١٩ - ٢٢] ويقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأحقاف:٢٦] ويقول عز وجل: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل:٧٨] لماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:٧٨] ويقول عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤٤] ويقول عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩] أجل بم تتميز؟ بالبصيرة.