[حال المؤمن عند الموت]
إن العبد المؤمن إذا جاءه ملك الموت تأتيه البشارات من الله، تبشره الملائكة وهو عند أهله، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:٣٠].
الله أكبر! قالوا: ربنا الله، ثم برهنوا على هذا الادعاء بالاستقامة.
ما هي الاستقامة؟ هي السير على الطريق الصحيح، وأنتم تعرفون عندما يقال: فلان رجل مستقيم، أي: يمشي على الطريق الصحيح، وفلان منحرف، أي: مائل عن الطريق، يقع في الزنا في الغناء في الربا في الرشى في الكبر في الغلط وذاك مستقيم من بيته إلى مسجده إلى عمله إلى مسئولياته، فلا تراه إلا في الحق، ولا تجده إلا فيما يرضي الله، فقدمه لا تحمله إلى منكر ويده لا تمتد إلى منكر وعينه لا تمتد إلى حرام وأذنه لا تسمع لحرام ولسانه لا يتكلم بحرام وبطنه لا يمكن أن يسقط فيها شيء من الحرام وفرجه لا يمكن أن يطأ الحرام والاستقامة -كما يقول الرياضيون في تعريف الخط المستقيم: إن الخط المستقيم هو أقرب الطريق بين نقطتين- وهي نقطة الدنيا ونقطة الآخرة، وأقرب طريق موصل لها الخط المستقيم.
لكن الخط المنحرف فيه منعطفات، وهذه المنعطفات توصل الإنسان إلى النار، فالله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:٣٠] ماذا يحصل لهم في الدنيا؟ قال الله: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} [فصلت:٣٠] أي: عند الموت: {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:٣٠] لا تخافوا مما أمامكم، ولا تحزنوا على من خلفكم، أمان على الماضي والمستقبل، فالمستقبل: لا تخف، والماضي: لا تحزن، والحاضر: قال: {وَأَبْشِرُوا} [فصلت:٣٠] هذا الحاضر: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:٣٠] وكأن الواحد يقول: لماذا هذا الاستقبال؟ ولماذا هذه البشرى؟ ولماذا هذه الطمأنة؟ قالوا: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [فصلت:٣١].
لما كنتم أولياء لله في الدنيا؛ نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولو كنتم أولياء للشيطان، تطيعونه وتعبدونه وتسيرون في خطه، لكنا لكم أعداء؛ لأن الله سمى هؤلاء أعداء: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ} [فصلت:١٩] أولياء الشيطان هم أعداء الله، وأولياء الله هم أعداء الشيطان، فالذي يوالي الله تواليه الملائكة، والذي يعادي الله تعاديه الملائكة، فتقول الملائكة: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [فصلت:٣١].
كنا في الدنيا معكم نثبتكم على الإيمان، وفي الآخرة معكم.
قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} [فصلت:٣١] لأنكم حجزتم أنفسكم في الدنيا عن الشهوات، يمر الشاب المسلم على الأغنية وهي تقطع قلبه مما كان يحبها في الماضي، لكنه يقارن ويوازن بين غضب الله وسخطه وبين هذه الأغنية، فيؤثر رضا الله ويترك الأغنية وقلبه يتقطع يريد أن يغني، هل تتصورون أن المهتدي والملتزم أنه لا يحب الأغاني؟ لا.
بل يحبها، مثلما تحبها أنت، يمر على المرأة ويراها جميلة تؤشر له بعينها أو بيدها؛ ولكنه يغض بصره خوفاً من الله، ونوازع الشهوة في قلبه تحترق؛ لكنه يقهرها خوفاً من الله؛ فيصبر والعاقبة للصابرين.
يقوم في الليل ليصلي، ويقوم إلى المسجد في الفجر ليؤدي الصلاة، والبرد قارص، والظلام دامس، والنوم جميل، والفراش دافئ، والزوجة جميلة؛ ولكنه يسمع: الله أكبر! فيترك كل شيء ويقوم إلى الله أكبر، هذه فيها تعب؛ ولكنه أرغم نفسه على هذا، يقول الله عز وجل يوم القيامة: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} [فصلت:٣١].
يبدلك الله بالزوجة اثنتين وسبعين زوجة، وبالأغنية -كما جاء في الحديث- تركب مزامير من مزامير آل داود على أوراق الجنة، ثم تعزف تلك المزامير بعد أن تهب عليها ريحٌ من تحت العرش، يقال لها: المثيرة، فتعزف بألحانٍ ما سمعت بمثلها الآذان، تغني معها الحور العين على ضفاف حضيرة القدس، يسبحن الله عز وجل بالعشي والإبكار، هذا السماع العظيم، بدلاً من (يا ليل يا عين)، تركت هذا من أجل ذاك، فنلت الدنيا والآخرة.
{وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:٣١] أي: ما ترغبون وما تريدون، هذا جزاء المؤمنين، وذاك الذي لا يريد نقول له: اصبر وانتظر، يقول الله عز وجل: {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} [الدخان:٥٩] {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} [السجدة:٣٠] ويقول: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:٣].