للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمانة الجوارح]

أول أمانة العين هذه جعلها الله عندك أمانة، وأمرك أن تنظر بها فيما يحب ويرضى: {قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس:١٠١] وأمرك أن تغضها عما لا يحب سبحانه وتعالى ويأبى؛ أن تغض عن محارمه، وأعطاك الحرية في أن تستخدمها فيما تريد، من منا يستطيع أن يتحكم في عين إنسان آخر؟ أبداً.

عينك في رأسك تتحكم بها أنت، ولا تستطيع أي قوة في الأرض أن تلزمك أن تنظر إلى شيء وتترك شيئاً، حتى لو أردت أن تنظر في بيت وقال لك صاحبه: لماذا تنظر في بيتي؟ تقول له: لا أنظر في بيتك أنا أنظر في البيت الذي وراءه، لكن الله يعلم أين تنظر: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:١٩] فعينك هذه أمانة، وستسأل عنها بين يدي الله يوم القيامة: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:٣٦] من السائل؟ إنه الله، والجواب إن كان سيئاً فالنار، وإن كان صحيحاً فالجنة.

بقية الجوارح، وسميت جوارحاً؛ لأنها تجرح في دين العبد.

الأذن أمانة ائتمنك الله عز جل عليها، وأمرك بحفظها عن سماع الباطل، وألا تسمع بها إلا ما يحب؛ لأنها قناة تصب في القلب، وإذا سمعت الخير تأثر القلب بالخير، وإذا سمعت الشر تأثر القلب بالشر.

اللسان أمانة: أنت مسئول عنه بين يدي الله يوم القيامة، وحفظ اللسان علامة الإيمان، يقول عليه الصلاة والسلام: (من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة) وقال: (أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج) أي: اللسان وما فيه من المصائب، والفرج وما فيه من المصائب.

فاللسان أمانة وفيه الكلمة، والكلمة لها مسئولية أمام الله، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في الصحيحين: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وقال: (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) وربَّ كلمةٍ قالت لصاحبها: دعني، فالكلمة مسئولية أمام الناس، ومن لا يقم للكلمة وزناً تجده يهذي بما لا يدري، ويخوض فيما لا يعنيه، وهذا مما يؤدي به إلى العطب والوقوع فيما لا يرضيه، فزن كلامك ولا تتكلم إلا بخير، ولا تقل إلا خيراً أو اسكت.