أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية، والحديث في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد، فكان الرجل منا ينقل لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين -رجل قوي ومخلص لا يمالي ولا يجالي- يقول: حتى ترب رأسه وهو يحمل، فمسحه صلى الله عليه وسلم ونفض عنه التراب وقال: ويحك يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية) والحديث في صحيح مسلم، وفعلاً تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم وقتلته الفئة الباغية في معركة الجمل في يوم صفين، في سنة (٣٧هـ) في المعركة التي كانت بين علي وبين معاوية رضي الله عنهما.
ولنأخذ لمحة بسيطة عن عمار بن ياسر وهو مولى وأصله من اليمن، جاء أبوه ياسر واثنان من أعمامه إلى مكة في طلب ولد لهم، ثم لم يجدوه فرجعوا وجلس ياسر، ثم أعتقه أبو حذيفة بن المغيرة بن شعبة ثم تزوج بـ سمية رضي الله عنها وأرضاها وولدت له عماراً وعبد الله، ولما جاء الإسلام أكرمهم الله عز وجل بالإسلام كلهم، فأسلم ياسر وأسلمت سمية، وأسلم عمار، وأسلم عبد الله، ونالهم من الأذى والتعذيب ما لا يعلمه إلا الله، وكان يمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون ويقول لهم:(صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) وكانت سمية أول شهيدة في الإسلام، قتلها أبو جهل عليه من الله ما يستحق، حينما مر عليها وهي تعذب وكان يعذبها أمية بن خلف سيدها فقال: لِمَ تستمر في عذابها وأخذ رمحه وضربها في قبلها فماتت شهيدة، فهي أول من أريق دمها في سبيل الله عز وجل رضي الله عنها وأرضاها.
يسمى عمار ويلقب بـ أبي اليقظان، كان من السابقين إلى الإسلام، وكان من أعيان المسلمين، وأيضاً من أصحاب بدر، وأصحاب بدر لهم ميزة على سائر الصحابة، وأمه سمية، ولما عذبه المشركون في يوم من الأيام عذبوه حتى كادوا يقتلونه فلم يدعوه حتى سب النبي ومدح آلهتهم، فجاء إلى النبي وقال:(يا رسول الله! والله ما زالوا بي حتى نلت منك ومدحت آلهتهم، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناًبالإيمان، قال: إن عادوا فعد) قال: فنزل قول الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[النحل:١٠٦].
الذي يكره على شيء والله يعلم أن قلبه مطمئن بالإيمان، فإن الله عز وجل لا يؤاخذه؛ لأن في هذا ضرورة والمهم القلب، واستأذن يوماً على النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أصحابه، فقال:(من هذا؟ قالوا: عمار بن ياسر، قال: مرحباً بالطيب المطيب) هذه شهادة، والحديث ذكره الترمذي في السنن، وأخرجه وصححه الحاكم في مستدركه، وقال عليه الصلاة والسلام فيه:(إن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاش رأسه) وروى الإمام أحمد في المسند وصححه الحاكم أيضاً، ووافقه الذهبي على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعدي بهدي ابن أم عبد) يعني: ابن مسعود رضي الله عنه، وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن خالد رضي الله عنه قال:(كان بيني وبين عمار خصومة، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله).
وكان رضي الله عنه مسدداً وموفقاً ولا يختار أمراً إلا والله يسدده فيه، يقول فيه صلى الله عليه وسلم:(ما عرض على عمار أمران إلا اختار أرشدهما) بتوفيق الله عز وجل له، قاتل يوم اليمامة واشترك في حروب كثيرة جداً حتى قتل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه تقتله الفئة الباغية، وأن قاتله وسالبه من أهل النار، قاتل يوم اليمامة ولما انكسر المسلمون صعد على صخرة وقال:[يا معشر المسلمين! ما لكم تفرون من الجنة] وقاتل قتالاً شديداً ثم جدعت أذنه، فقاتل حتى آخر النهار وأذنه تنزف دماً، رضي الله عنه وأرضاه.