هذا موسى عليه السلام لما خرج من مصر خائفاً يترقب، وجاء إلى الماء:{وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ}[القصص:٢٣] أي: تردان غنمهما عن الماء فسألهما قال: لم لا تسقون، ما خطبكما؟: {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ}[القصص:٢٣] فقالتا: لا نزاحم الرجال، فكأنه يقول لهما: بما أنكما لا تزاحمان الرجال، فلماذا تخرجون أنتما، ولا يخرج غيركم؟ فبينّا العذر:{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}[القصص:٢٣] ونحن ننتهز الفرص التي ليس فيها تجمعات، حين يصدر الناس، ونأتي لنسقي، فهو رأى أن من الإحسان والبر، أن يسقي لمثل هاتين الفتاتين الطاهرتين العفيفتين، فسقى لهما بدون أجر، ثم تولى إلى ظل شجرة، وماذا قال وهو يدعو ربه وهو بوضع نفسي متعب ومطارد ومحكوم عليه بالإعدام وليس عنده شيء؟ {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص:٢٤].
وإبراهيم عليه السلام يقول:{وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}[الشعراء:٨٧] كيف يخزيك ربي يا إبراهيم، وأنت أبو الموحدين؟ يقول: لا تخزني يوم القيامة، ولم يقل: أدخلني الجنة، وإنما قال: ولا تخزني: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٨ - ٨٩].
وهذا عيسى عليه السلام يقول الله له يوم القيامة:{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[المائدة:١١٦] والله يعلم أن عيسى لم يقل ذلك؛ لكن ليقرره في عالم الواقع، أما الكفرة الذين اتخذوه إلهاً وأمه من دون الله فإنهم عملوا شيئاً لم يأمر الله به، فيقول له:{قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:١١٦] ثم قال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}[المائدة:١١٧] هؤلاء الأنبياء مغفور لهم، مجتبين مصطفين أخيار، وهم الذين طبقوا الدين، ونحن الذين بعدهم نسأل عنهم:{مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:٦٥].