[أهمية الخشوع في الصلاة]
لا تأت تصلي وأنت تخطط لمزرعتك وعمارتك ودروسك، ولتجارتك ومشاغلك، بعض الناس يدخل في الصلاة ويقول: الله أكبر، ثم يسلم ولم يعرف ما قرأ الإمام، هذا ما صلى حقيقة؛ لأنه يكتب للعبد من صلاته ما حضر فيها قلبه، حضرت ربعها لك ربعها، حضرت نصفها لك نصفها، لم تحضر ما لك شيء، فلا بد أن تحضر قلبك -يا أخي- لا توسوس وتستسلم للشيطان، ومن ثم إذا انتهت الصلاة -ومدتها عشر دقائق- اقعد ووسوس إلى الفجر.
يأتي بعض الناس صلاة العشاء، كم صلاة العشاء؟ أطول صلاة للعشاء عشر دقائق، فمن بداية دخوله للصلاة وهو يوسوس، وبعد أن ينتهي من الصلاة ينتهي الوسواس، إذا أحضروا له سفرة الطعام الأرز، واللحم، والشربة، والإدام، والحلوى، والفواكه؛ لا يوسوس في شيء إلا في الصحن هذا، من أين يأكل؟ ومن أين يأتي؟ وبقي هذه، وبقي قسمنا هناك، لكن في الصلاة تأتيه الأفكار، وإن كان عنده عمارة جاءه الشيطان قال: ما رأيك في العمارة؟ المخطط ليس سليماً، و (البرندة) الفلانية ما تستفيد منها، والدرج ليس موقعه جيداً، وذلك الجانب تشكيلته ليست جيدة، فيعطيه أفكاراً؛ فإذا انتهى من الصلاة شطب على المخطط ونسيها، فلا صلى ولا خطط.
من أين تأتي الأفكار للناس؟ من الشيطان في الصلاة، فلابد من حضور قلبك؛ لأنك إذا لم يحضر قلبك فلا صلاة لك، يقول العلماء: إن الصلاة جسد والخشوع روح، ولا قيمة للجسد إلا بوجود الروح، إذا مات الميت الآن ما الذي يخرج منه؟ الروح، إذا خرجت الروح هل بقي شيء من الجسد؟ الجهاز الهضمي والسمعي والبصري والتنفسي والعظمي والدموي كل شيء موجود، لكن ذهبت الروح، فماذا يسمونه؟ يقولون: الجنازة، أو المرحوم، أو الهالك، لكن إذا ردت الروح إليه تصبح له قيمة، ولو ذهبت عينه أو يده، أو تقطع قطعة قطعة وبقيت روحه له قيمة، وكذلك الصلاة لا قيمة لها إلا بالخشوع وبروحها، فإذا حضر القلب في الصلاة لها قيمة، فلا بد من حضور قلبك في الصلاة.
ومن ثم حتى تكون مقيماً للصلاة لا بد أن يكون لها أثر في حياتك؛ لأنه إذا كان هناك انفصال بين سلوكك وصلاتك فكأنك ما صليت؛ لأن الله يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] فكونك تصلي وتخرج من باب المسجد تنظر إلى النساء فما صليت حقيقة، بعضهم يخطط للمعاصي في الصلاة، أين أسهر الآن؟ وأين أذهب أتلفت؟ ومن أكلم في الليل؟ ومن أطلع له؟ ومن أكتب له؟ ومن أمشي معه؟ وهو يصلي، يخطط لمحاربة الله في الصلاة، ما رأيكم في صلاته هذه؟! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} [العنكبوت:٤٥] فوالله -يا أخي- ما دمت متمسكاً بالصلاة؛ فإن الله عز وجل يريد بك خيراً؛ لأنك مع الله، كلما دعوت الله عز وجل أجابك، بينك وبين الله اتصال.
يقول العلماء: إن الصلاة صلة بين العبد وبين الله، بإمكانك أن تتصل إلى الله في كل حين، لكن إذا قطعت الحرارة وقطعت الصلاة واتصلت على الله لا يجيب؛ لماذا؟ لأنه ليس بينك وبين الله رابطة، الحرارة مقطوعة، ما سددت فواتير الهاتف، ما ذهبت إلى المسجد تصلي، مقطوع عن الله، وقولوا لي بربكم: أي قيمة لإنسان يعيش في هذه الحياة وهو مقطوع عن الله؟!! أي وزن له وأي معنىً له؟!! والله لا معنى للإنسان بغير دين ولا صلاة، مثله كمثل الحيوان، بل أشد وأنكى عند الله، يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:١٢].
هذا القارب الثاني وفيه صعوبة، لا تتصورون أن المسألة فيها يسر، فيها صعوبة كونك تلزم نفسك بالصلوات الخمس في أول الأمر تجد صعوبة، شأنك في هذا شأن أي شخص يمارس أي عمل جديد، الطفل الصغير إذا وقف ويراد منه أن يمشي يجد أن المشي من أصعب المشقات عليه، تراه واقفاً وأبوه يجلس بعيداً عنه ويقول: تعال تعال! فأحياناً يقع وأحياناً يسير، ومن ثم في اليوم الثاني يمشي مرة خطوة، ومرة خطوتين، وبعد أسبوع يمشي، وبعد أسبوع لا يدع مكاناً في البيت، يذهب يكسر، حتى أمه تقول: يا الله يمشي، فإذا مشى قالت: الله أكبر عليك، وبعدها تربط رجله في الباب، أليس كذلك؟ فكل عمل يمارسه الناس في أول الأمر يصير فيه صعوبة، لكن بعد الاستمرار فيه يصير سهلاً.
أنت الآن عندما تأتي في عملك وتسلم عملاً جديداً عليك، وترى التعليمات والنظم واللوائح والتعاميم، تقول: والله هذا لا أقدر عليه، أظن أني سأفشل فيه، لكن ما إن يمر فيه شهر أو شهران أو ثلاثة، وتراجع معاملاتك، وتمر عليك حالات جديدة وتعالج، وتستشير هذا، وتأخذ رأي هذا، وتأتي بمعلومات من هذا، بعد سنة وإذا بك عندك خبرة كاملة، ولذا يعتد ويعتبر بالخبرة الآن في حياة الناس، إذا كنت تريد أن توظف مهندساً جديداً عندك، شخص تخرج منذ فترة قليلة وشخص تخرج قبل خمس سنوات، وأتاك أحدهما تقول له: كم مدة خبرتك؟ يقول: خمس سنوات، تعطيه أفضلية في التعيين، لماذا؟ لأن خبرته زودته بإمكانيات لتسيير عمله، لكن الجديد هذا يجلس سنتين يجرب ويتعلم.
فكذلك أنت إذا جئت ودخلت من باب الإيمان، لتركب إلى ساحل النجاة وقارب نجاة الصلاة، سوف تجد صعوبة في أن تستيقظ لصلاة الفجر كل يوم؛ لأنك متعود طيلة حياتك أنك تنام هذه النومة، لكن اجبر نفسك، تجد صعوبة أنك كل يوم خمس مرات آت ذاهب إلى المسجد، لكن بعد أيام يصبح خلقك الصلاة في المسجد، شخص من الناس كان جارنا يسكن في بيته ومن ثم لم يأت ليصلي، فجاء إليّ جيرانه، وقالوا: يا إمام! الرجل هذا لا يصلى معنا، قلت: هيا نزوره، فزرناه، وقدم لنا شاياً، وقلنا: جزاك الله خيراً، أنت ضيف جديد على الحي والمسجد قريب منك، ونريد منك إن شاء الله أن تصلي معنا؛ لأنك مسلم، ونحن إخوة نحبك في الله ونريد لك الخير مثلما نحب لأنفسنا، قال: جزاكم الله خيراً، وإن شاء الله أصلي، فودعناه وشكرناه وخرجنا، جاء وصلى فريضة واحدة، وبعدما صلى فرحنا، وانقطع أسبوعاً أو أسبوعين ولم نعد نراه، جاء جماعته، قالوا لي: يا إمام! الرجل صلى معنا مرة ومن ثم لم نعد نراه، قلت: نذهب إليه، ذهبنا لزيارته، قلنا: جزاك الله خيراً زرناك قبل هذه المرة، وقلنا لك عن الصلاة، وأتيت صليت، قال: نعم الحمد لله صليت، قلنا: كم صليت؟ قال: مرة، قلنا: لا.
ليست مرة، قال: كيف؟ قلنا: كل يوم خمس مرات، قال: الله! كل يوم خمس مرات! قال: خمس مرات ذاهب وخمس مرات راجع؟!! قلنا: خمس مرات ذاهب وخمس مرات راجع، قال: والله هذه صعبة! يقول: قلت: وما ظنك؟ قال: أنتم قلتم لي صل، يعني: صلاة واحدة فقط، يظن أنها صلاة واحدة، ويريد أن يدخل الجنة بصلاة واحدة، وهو يدرس (١٢) أو (١٦) سنة، حتى وجد له وظيفة بألفي ريال، وهو يريد أن يدخل الجنة بركعتين صلاها في المسجد، وقال: صليت، سبحان الله ما أجهل الناس! قلنا: لا يا أخي! لا بد أن تصلي كل يوم خمس مرات، في الفجر الساعة كذا وفي الظهر وهكذا، قال: حاضر، وفي اليوم الثاني أخبرني الجيران أنه ذهب وأحضر سيارة وخرج من البيت، قال: والله ما تخارجني هذه الشغلة! فلا بد أنك تصبر في بداية الأمر، وفي فترة التدريب، ومن ثم بعد أسبوعين شهرين ثلاثة شهر تصبح خلقك ومزيتك الصلاة.