يا من تريد أن تسير في طريق الإيمان أول ما تدخل في قضية الإيمان تشعر بأنك تريد أن تسقط، كلما تسمع أغنيه تريد توقف عندها، كلما تشاهد امرأة تريد أن تلتفت؛ لكن لا تلتفت، ولا تسمع، ولا تنم عن الفريضة، لا تعق والدك، لا تعص أمك، لا تحب إخوان السوء، لا تحتقر إخوان الخير، لا تمل من مجالس الخير، اقرأ القرآن، أحب في الله وأبغض في الله، أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة، وكلما ثبتَّ قويت، وكلما سرت في الطريق قويت حتى تسير في الطريق ولا أحد يسبقك، وبعد ذلك لا تشعر في الدنيا بلذة إلا بطريق الإيمان.
من الناس من لو تأخر عن الصلاة لشعر بأن قلبه فارغ، لا يستطيع العيش بدون صلاة، تجده طول الليل نائماً متعباً ولكن ما إن تأتي صلاة الفجر -وليس عنده ساعة ولا يسمع المؤذن- وقبل الأذان بساعة وإذا به جالس، من الذي أجلسه؟ الله تبارك وتعالى، كما يقول ابن القيم قي كتابه الجواب الكافي، يقول: إن الطاعات تولد أمثالها، وإن المعاصي تولد أمثالها، فالطاعة تولد طاعة حتى تصبح الطاعات هيئات راسخة، وملكات ثابته يمارسها الإنسان بدون عناء، تصبح الصلاة في حق المؤمن غذاء لا يستطيع أن يعيش بدونها.
بعض الشباب الذين هداهم الله إلى الإيمان إذا سمع نغمة موسيقية يضطرب وكأنها صعقة كهربائية، رغم أنه شاب، وبعض الشباب الآخرين الذين يحبون الأغاني إذا سمعها قام يرقص، وذاك كأنه مسه جني وشرد منها، لماذا ذاك يخاف من الأغنية وهذا يحبها؟ هذا يخاف من الله، وجاهد نفسه حتى كرهها الله إليه؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً}[الحجرات:٧ - ٨] فإذا كره الله إليك الكفر والفسق والعصيان، إذا رأيت امرأة كأنك ترى جنياً أو شيطاناً فتغض بصرك، ليس لأنك ملك من الملائكة، أو لأنه لا توجد عندك شهوة الجنس، بل ربما لديك شهوة هي أضعاف شهوة ذاك، لكن الله عز وجل كره إليك الكفر، وكره إليك الفسوق والعصيان، وحبب إليك الإيمان وزينه في قلبك فأنت راشد {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً}[الحجرات:٨]{أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}[الحجرات:٧].
أما الآخر الذي ما كرّه الله إليه الكفر والفسوق العصيان، إذا شاهد امرأة ولو أنها ليست بجميلة نظر إليها ولم يغض بصره؛ لأنه قد زين الشيطان في قلبه المعاصي، وكره إليه الطاعات، أي: أن الشيطان يتولى الإنسان فيزين له الكفر ويحبب إليه المعاصي والإيمان ويكرّه إليه الطاعات، فكن عبداً لله عز وجل وسر في الطريق وأبشر؛ فإن الله تبارك وتعالى يقول في الحديث القدسي:(يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) ويقول: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد:١٧].
وطبعاً إذا أردت الهداية فلا بد أن تسلك سبيلها.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
إن في الكون أسباباً وسنناً، ومن سنن الله في الكون: أن الله عز وجل يرزق الهداية لمن أرادها (فاستهدوني أهدكم).
اطلب من الله عز وجل هداية يهديك، لكن إذا أعرض العبد عن الله قال الله:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف:٥]{انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[التوبة:١٢٧] الهارب من الله لا يرده الله، والمقبل على الله لا يرده الله، بل إذا تقربت إليه شبراً تقرب إليك ذراعاً، وإذا تقربت إليه ذراعاً تقرب إليك باعاً، وإذا أتيته تمشي أتاك هرولة، وكان الله إليك بكل خير أسرع.