[تلاوة كتاب الله]
السبب الأول: تلاوة كتاب الله الكريم: أعظم علاج لهذه النفوس، وأعظم دواء لهذه القلوب، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٧ - ٥٨].
هذا هو العلاج الرباني والدواء الإلهي لأمراض النفوس، كتاب الله، ويوم أعرضت الأمة عن كتاب الله مرضت وتدهورت، بل ماتت إلا من رحم الله، تصور أنك إذا قرأت القرآن شافى الله قلبك ونفسك، أجل علينا أيها الإخوة بالعودة الصادقة إلى كتاب الله.
أولاً: قراءة القرآن بالتجويد والترتيل؛ لأن الله أنزل القرآن هكذا، لا يقرأ كما تقرأ الصحيفة لا.
لا بد أن تقرأ القرآن بالترتيل، يقول الله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:٤] لا بد من الترتيل، ويقول ابن الجزري في منظومته:
والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم
لأنه به الإله أنزلا وهكذا منه إلينا وصلا
وهو أيضاً حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة
الآن إذا قرأ رجل بتجويد، وقرأ آخر بدون تجويد، ما رأيكم بالقراءتين؟ ومعنى تجويد أي: تحسين وضبط.
عندما تقول للعامل وهو يبني لك جداراً، تقول: جوِّد البناء، جوِّد المكان، أي: أتقن، كذلك القرآن هو أولى بالإتقان، وأولى بالتجويد، فأولاً: يجب أن تعود إلى القرآن عن طريق شيخ، والحمد لله لقد قامت الحجة على العباد، ما من مسجد إلا وفيه عالم يدرس القرآن للأطفال والكبار، قالوا: الكبار مشغولون، نقول: القرآن ما أنزل لمخاطبة الصغار -يا إخواني- القرآن هذا للأمة كلها كبيرها وصغيرها، يجب أن يجلس الكبير والصغير والشيخ والطفل كلهم عند ركب العلماء لتعلم القرآن، وهل لك عمل غير كلام الله؟ أي: ما تتجرد أن تكون مشغولاً بالقرآن، مشغول بالجلوس في الدكاكين وفي مكاتب العقار، وفي الشوارع، وعلى رءوس الطرقات، مشغول بمتابعة الأخبار والمباريات، هل هذا شغل؟ أشغل نفسك بكلام الله، إنها والله مصيبة على الأمة، أن تعزف عن القرآن.
فمرضت النفوس بأسباب عدم التداوي بالقرآن الكريم، ولذا نقول لكل مسلم من الآن: برمج أيامك ووقتك، بين المغرب والعشاء، لا تشتغل بعمل، ولا تذهب إلى وليمة ولا تذهب إلى سوق ولا إلى مكان إلا في المسجد، ابدأ بالحفظ؛ لأن الله عز وجل أثنى على الذين يحفظون القرآن، قال الله عز وجل: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:٤٩] اللهم اجعلنا وإياكم منهم.
وأشراف الأمة هم حفظة القرآن الكريم، ومن حفظ القرآن فقد استدرج النبوة غير أنه لا يوحى إليه، والله أثنى على القراء في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:٢٩] كل تجارة معرضة للربح والخسارة إلا التجارة مع الله لن تبور، ما هي التجارة؟ قال عز وجل: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:٣٠] قراءةً وحفظاً وعملاً وتطبيقاً ودعوةً.
يقول لي أحد المسئولين في أحد السجون: كان عندهم سجين محكوم عليه بعشرات السنين في قضية مخدرات، يقول: وفشلت كل وسائل التوجيه والضرب والتعزير له عن السلوك السيئ في السجن فهو شرير، ويضاف -أيضاً- فله سنوات على ما هو فيه ولا يبالي، يقول: ويأتي أحد الدعاة، ويتكلم مع السجناء، ويدل الناس على القرآن الكريم، ثم يأتي هذا المسجون بنفسه ويسأل قال: أنا أسمع أن هناك مكرمة للذي يحفظ القرآن أنه يسقط عليه من سنوات السجن، هل هذا ينطبق عليَّ؟ قال: لا أدري نسأل لك، وسأل آمن السجن، قال: نعم.
ينطبق عليه.
قال: إذاً أنا بدأت أحفظ، يقول: ويحفظ القرآن كاملاً عن ظهر قلب، وهو صاحب مخدرات، يقول: وتستقيم أخلاقه وتتغير حياته، ولم يعد ذلك الشرير، ولا ذلك السيئ، وإنما ذلك الرجل الهادئ، لا نراه إلا والمصحف في يده، لا نراه إلا قواماً في الليل، ويتغير كل الذين كانوا معه في غرفته إلى طيبين، فقد أثر فيهم، ويقول: أيام وليال وتأتي المكرمة ويخرج من السجن، وكان قد دخل في السجن في قضية أخرى، وكلما أخرجوه عاد، يقول: في آخر مرة عندما خرج وهو حافظ القرآن، خرج داعية إلى الله، واستقامت أموره، وصلحت أحواله، وهو الآن من أحسن الناس ديناً في المنطقة الغربية، بسبب القرآن.
أول شيء وأول سبب وأعظم سبب لتزكية النفس القرآن، وستبقى النفس هينة وستبقى النفس مريضة كلما ابتعدت عن القرآن الكريم، ولذا نقول قولاً -أيها الإخوة-: اعمروا حياتكم بكتاب الله، ولا يمر عليكم يوم إلا بتلاوة من القرآن، واقرأوا في مجالسكم ومع أولادكم شيئاً من القرآن، واسمعوا إذاعة القرآن، واسمعوا أشرطة القرآن، واجعلوا أنفسكم دائماً مع القرآن، هذا السبب الأول.