للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذلتهم وهوانهم على الله]

يقول تَبَارَكَ وَتَعَالَى في وصف ذلتهم: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً} [المعارج:٤٣] الأجداث: القبور {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:٤٣] * {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:٤٤] أهل الإيمان لا تجد عليهم ذلة، بل لهم عزة وكرامة عند الله، ولهم فضل وفرح بلقاء الله، لكن الكفار ترهقهم ذلة وأبصارهم خاشعة، فترى المجرم لا يرفع رأسه؛ لأن وجهه أسود، وسلوكه سيئ فهذه حالتهم: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [المعارج:٤٤] والرهق: هو الحركة المضطربة بقوة.

إذا قيل: فلان يرهقه البرد فليس برداً فقط وإنما يرتعش، فهذه الذلة تأخذهم وترهقهم {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:٤٤].

والخروج من القبور بهذه الصورة يصور سرعة انطلاقهم إلى مصدر الصوت؛ لأنه ينادى يوم القيامة فيبعث من في القبور، {يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً} [المعارج:٤٣] مسرعين منطلقين، ماذا حدث؟ يريدون سماع الصوت {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:٤٣] مثلما كانوا ينطلقون إلى هذه الأنصاب، والأفراح، والزنا والمعاصي مسرعين، فهناك أيضاً ينطلقون مسرعين كأنهم على تلك الصفة {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:٤٤].

وبعد ذلك الصوت القوي، يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} [القمر:٦] * {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:٧] * {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:٨] والحكمة من التصوير والتمثيل بالجراد؛ لأنه من أضعف الحشرات، ولعل منكم من أدرك فترة وجود الجراد في النهار خاصة، إذا ما جئت إليه وهو بين الزرع وأردت أن تنفره كيف هي حالته؟ وهل تخاف منه؟ هل يأكلك الجراد؟ لا.

تنفره، وهو ينتشر من الرعب والخوف الذي أنت تطارده به، فيهرب منك.

كذلك الكفار والمنافقون يوم القيامة {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:٧] * {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:٨] وبعد أن يقوموا يتأكد لديهم بأنه البعث، وأنه الذي كانوا يوعدون، فقد كانوا يكذبون بالبعث، ولم يكونوا مصدقين به، فلو كانوا يصدقون به لكان له أثر في حياتهم، ولكنهم كذبوا، وعندما يقومون من قبورهم يقولون كما قال الله عَزَّ وَجَلّ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس:٥١] * {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:٥٢] وعندها يجيبهم أهل الإيمان فيقولون: (هَذَا) يعني: هذا يوم البعث {هذا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:٥٢] هذا وَعدْ الله لنا وصدق الرسول لنا فيصدقون، ماذا يقولون: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [الصافات:٢٠] يدعون على أنفسهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.