حينما ينفصل الناس يوم القيامة ويقسمون إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، يتميز الناس على ضوء عملهم في هذه الدنيا {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}[الحاقة:١٩] أخذ كتابه بيمينه استحقاقاً وبناءً على عمله الذي أهّله لأخذ الشهادة باليمين؛ لأنه من أهل اليمين، وكان يسير في الخط اليمين، عينه وأذنه إلى اليمين في الحلال، لسانه ويده ورجله وبطنه وفرجه كلها متجهة إلى الحلال، ولا يمكن أن يطأ بها إلا في الحلال، لا يترك لله أمراً، ولا يرتكب له نهياً، فهذا أهل نفسه وعمل أسباباً تؤهله ليكون من أصحاب اليمين، قال:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}[الانشقاق:٧ - ٨] اللهم إنا نسألك من فضلك، لا أعظم من يوم تحاسب فيه حساباً يسيراً، يعني تمشى أمورك؛ لأنك من أهل اليمين:{وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً}[الانشقاق:٩] أين أهلك؟ أهلك في الجنة، ليس أهلك في الدنيا، الأهل الحقيقيون هم الذين سوف يقدم عليهم المؤمن في الجنة، فإن كانوا أهله في الدنيا من أهل الإيمان فهم سواء، ويجتمع بهم في الدار الأخرى كما اجتمعوا به في الدار الأولى، وإن لم يكونوا من أهله في الدنيا كأن تكون أمه سيئة، أو أبوه كافراً، أو زوجته -والعياذ بالله- فاسقة وخبيثة؛ فإن الله يبدله في الجنة بأهلٍ خير من أهله حور عين وولدان مخلدون نعيم لا يتصوره العقل {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً}[الانشقاق:٩] فرحاً مغتبطاً كفرح ذلك الطالب الذي يتخرج من الجامعة أو الكلية ويحصل على الرتبة ويأتي ليخبر أمه وأباه وزوجته وأولاده -إذا كان قد تزوج- كيف وضعه؟ مسرور {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً}[الانشقاق:٩] هذا هو الفريق الأول.