أولاً: لم أقل إنني سوف أتكلم عن كل أدلة البعث، وإنما قلت سآتي بنماذج فقط، وإلا فالقرآن من أوله إلى آخره مملوء بأدلة البعث، ولو كان هناك مجال لاستشهدت بجزء واحد في القرآن وهو جزء (عم) من أول سورة عم إلى آخر سورة الناس، ما من سورة من هذه السور إلا وفيها دليل على البعث، وقس عليها بقية سور القرآن.
فظاهرة النوم -لا شك- ظاهرة مادية محسوسة، وهي دليل مادي محسوس من أدلة البعث، قال عليه الصلاة والسلام:(والذي نفسي بيده لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتسألن عما كنتم تعملون) والله تعالى يقول في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[الروم:٢٣] فالنوم آية من الآيات الدالة على الله والبعث وكل القضايا الإيمانية، لماذا؟ يقول الله عز وجل:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الزمر:٤٢] فالآن هناك ميتتان: ميتة كبرى وهي الميتة المعروفة، وميتة صغرى وهي النوم المعروف، قال عز وجل:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ}[الزمر:٤٢] يعني: يتوفاها -أيضاً- {فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى}[الزمر:٤٢] يعني: التي في النوم {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}[الزمر:٤٢] فالنوم هو جزء من الموت، ولهذا ترى الإنسان الآن ينام على فراش وبجواره إنسان آخر ينام على فراش آخر، ويرى هذا رؤيا حسنة ويرى هذا رؤيا سيئة، فيتنعم هذا بالرؤيا الحسنة، ويتعذب هذا بالرؤيا السيئة، وأجسادهم ما بها شيء، وجسم هذا الذي تنعم ما أصابه نعيم، وجسم هذا الذي تعذب ما أصابه عذاب، لكن يستيقظ هذا من الحلم الجميل قائلاً: ما أجمل هذه الرؤيا، رأى أنه تزوج، فيقول: يا ليتكم لم توقظوني من هذا الحلم، بينما ذاك رأى أنه وآخر يتطاعنان وذاك يطعنه فيستيقظ قائلاً: ما ذاك الحلم، فيقال: ما بك؟ قال: واحد يطعني في جنبي! نعم فمن الذي زوج هذا، ومن الذي طعن هذا؟ الأجسام ما بها شيء، جسم هذا على الفراش وجسم هذا على الفراش، فروح هذا تنعمت فتنعم الجسد، وروح هذا تعذبت فتعذب الجسد، فالنوم دليل من أدلة البعث.