[الحث على استغلال شهر رمضان]
أيها الإخوة! أدعوكم في هذا الشهر الكريم المبارك إلى الاستغلال والاستثمار والمتاجرة.
أولاً: بكثرة التلاوة، فإن تلاوة القرآن في هذا الشهر من أعظم القربات؛ لأنه شهر القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:١٨٥] فيجب أن يكون لك ورد يومي لا يقل عن عشرة أجزاء، كان بعض السلف يختم في ثلاثة أيام في رمضان، وكان بعضهم يختم في اليوم مرة، وكان بعضهم له ختمتين في كل يوم، ختمة في الصباح وختمة في المساء، فمنذ أن سمعت هذا الكلام استغربت وقلت: كيف يختم في اثني عشرة ساعة؟! ولكن قدر لي في يوم من الأيام أن أعتكف وبدأت من صلاة الفجر مع القرآن وما أتى العصر إلا وقد انتهيت منه، ما رقدت ذلك اليوم لأني أقرأ.
فنقول للناس: أكثروا من التلاوة في هذا الشهر فإنه شهر القرآن والتسبيح.
ثانياً: أكثروا من الصلاة والقيام، خصوصاً مع الإمام الذي يطيل، فإن هذا فيه ثواب عظيم، في البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) الشروط: إيماناً: تصديقاً، واحتساباً: تحتسب على الله هذه الوقفة، الإمام يطيل ويقرأ مثلاً في كل ركعة صفحة أو صفحتين، نعم أنت تتعب، لكن تتعب في سبيل من؟ واقف بين يدي من؟ كم يتعب أصحاب اللعب وأصحاب الفوضى وأصحاب المقاضي، كم يدورون بالشوارع من ساعات، بعضهم يخرج إلى الأسواق يدور من الساعة العاشرة إلى الساعة الثانية من الليل، يشتري حذاء لامرأته ويرجع وما وجد حذاء، وكلما اشترى حذاء ردته وقالت: أرجعه لا أريده هذا ليس جيداً، ضيع أربع ساعات في حذاء لكن أنت قضيت ساعة بين يدي الله عز وجل إيماناً واحتساباً، يعني: طلباً للمثوبة والأجر من الله عز وجل.
ثالثاً: كثرة الذكر في الصباح والمساء.
رابعاً: كثرة الإنفاق في هذا الشهر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان أجود من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان).
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان
ها قد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن
كم كنت تعرف ممن صام في سلف من أهل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الدان
ومعجب بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غدٍ أثواب أكفان
حتى متى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبر لإنسان
استغل هذه الأيام في الإنفاق في سبيل الله؛ لأنك تحت ظل صدقتك يوم القيامة، كما جاء في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (المرء تحت ظل صدقته يوم القيامة) و (ما نقص مال من صدقة) بل تزيد {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:٣٩] إذا كان عندك مليون ريال وأخرجت منه مائة ألف تتصور أنه نقص المليون، والله ما نقص، بل زاد، لماذا؟ قال الله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} [البقرة:٢٧٦] وماذا؟ {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:٢٧٦] والحسنة في هذا الشهر بألف حسنة، وقد اعتاد الناس أن يخرجوا زكاة أموالهم، ولو أخرجت الزكاة على القدر الصحيح الشرعي ما بقي فقير.
فأنا أدعو أصحاب الأموال الأثرياء أن يخافوا الله في أموالهم وأنفسهم، ولا يضحكوا على أنفسهم، هذه الأموال والله إن لم تخرج زكاتها فستتصفح يوم القيامة صفائح من نار ثم تمشي عليها وتقلب على ظهر العبد وبطنه وجنبه {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:٣٥] ماذا تريد من ملايين تتصفح ناراً يوم القيامة على جنبك؟! أخرج زكاة المال، احصر الأموال الموجودة المنقولة والأموال الثابتة من العقار الذي للبيع والشراء، أما العقار الممتلك لقصد البنية والامتلاك فليس فيه زكاة، لكن في دخله إن كان مؤجراً، ثم احصر الديون التي عند الناس واجمعها كلها ثم اضربها كلها في اثنين ونصف وأخرج الزكاة طيبة بها نفسك، ولا تظن أن لك منة أو فضلاً فالمال مال الله، فالله أعطاك مائة وطلب منك اثنين ونصف، جئت من بطن أمك وأنت لا تملك ريالاً واحداً.
فأخرج هذه الزكاة وابحث عمن يستحقها، لا تبرأ ذمتك بإلقاء الأموال على عواهنها وإعطائها من لا يستحقها، ابحث عمن تثق فيه في دينه وأمانته ليكون وكيلاً لك على تزكية الأموال، ولا تنسوا إخواناً لكم من الفقراء، في بقاع كثيرة من المملكة، كثير من الناس يرسل أمواله إلى الخارج، وهذا يجوز إذا كان قد حصل الاكتفاء، لكن في المملكة فقراء، وأنا أعرف في منطقة الجنوب في سواحل تهامة وفي جبال تهامة من الفقراء من يفتقدون كسرة العيش، ومن يحتاجون إلى قطعة القماش، ومن يعيشون تحت كهوف الجبال، وتحت ظلال الأشجار، يحتاجون إلى كل شيء من الأموال.
وأنا مستعد بالتعاون مع الأثرياء الذين يملكون مالاً ويريدون إيصالها إلى هؤلاء، مستعد أن أتعاون معهم وأذهب إلى هؤلاء المساكين، رغم أن في الأمر مشقة وفيه جهد وتعب ولكن نحتسبه عند الله عز وجل، وأذكر في العام الماضي أن رجلاً من الأثرياء من هذه المدينة المباركة بعث لي بمائتي ألف ريال وقال: وزعها على الفقراء في تهامة، فأرسلت إلى مجموعة من الشباب الذين قد طلبوا العلم في أبها في كليات الشريعة وهم من تلك الجهات، أرسلت إليهم فجاءوني وطلبت من كل واحد أن يقدم لي كشفاً بالفقراء في قبيلته وحالة الفقير الاجتماعية، كم عدد أزواجه وكم أولاده، كم دخله من الوظيفة أو من الضمان الاجتماعي، والله لقد رأيت ما يقطع القلوب -أيها الإخوة! - يمكن (٩٠%) كلهم غير موظفين، وقليل منهم الذين هم مسجلون في الضمان الاجتماعي، والبقية يعيشون على قليل من العيش يتتبعون تلك الماعز في ظهور الجبال ويتتبعون بها منازل القطر والمطر وليس معهم شيء، وبعضهم عنده زوجتان وعنده عشرة أو أحد عشر ولداً أو اثنا عشر طفلاً لا يعرفون الفاكهة، لما نزلنا وقسمنا عليهم العيش قالوا: ما هذا؟ لم يروه في حياتهم، فأخذت الكشوف هذه وبدأت أقسم المبالغ هذه وجعلت للأسرة الكبيرة خمسمائة والذي بعده أربعمائة والذي بعده ثلاثمائة وأقل شخص الذي لم يوجد معه أحد ولا زوجة نعطيه مائة ريال.
يقول لي الإخوة بعد ما نزلوا يقولون: إن المائتا ألف غطت مساحة كبيرة في منطقة تهامة، ودعا الناس كلهم لذلك الرجل الصالح الذي أنفق هذا المال، ويمكن أنها زكاة عشرة ملايين، المليون زكاته خمسة وعشرون ألفاً، والعشرة الملايين فيها مائتين وخمسين ألف -ربع مليون- لكنها تبلغ عند الله عز وجل مقاماً كبيراً، وعنواني لمن يريده هو عند فضيلة الشيخ عادل الكلباني مستعد للتعاون رغم أن في هذا مشقة وأنا والله ما عندي وقت، لكن لدينا من يخدمنا من إخواننا المخلصين الصالحين بحيث يوصل تلك الأموال إلى من يستحقها ونؤدي زكاة أموالنا.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو لي ولكم التوفيق، والله أعلم، وباختصار سوف أجيب على بعض الأسئلة.