أيضاً من اتهاماتهم وتشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس: أنهم اتهموه بأنه ساحر، يقول الله سبحانه وتعالى:{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}[ص:٤]{وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً}[الفرقان:٨].
وقد تحير الوليد بن المغيرة حينما أرسله كفار قريش ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم ويساومه على تقديم أي شيء يريده نظير أن يترك الدين، قال له: يا ابن أخي! إن كنت إنما أتيت بما جئت به تريد مالاً جمعنا لك حتى تكون أغنانا، وإن كنت تريد جاهاً سودناك أي: جعلناك ملكاً، وإن كنت تريد زوجاً زوجناك بأجمل فتاة، وإن كان الذي يأتيك رئي من الجن -أي: يأتيك شيء من الجن صرع- بذلنا لك حتى نعالجك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اسمع يا أبا الوليد، وقرأ عليه فواتح سورة فصلت، حتى بلغ قول الله عز وجل:{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً}[فصلت:١٣] فوضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وخاف من الصاعقة، قال: أسألك الله والرحم، ثم رجع وقد تغير موقفه، بناء على سماع القرآن، وقال: والله يا قوم! إن لكلامه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمورق، وإن أسلفه لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، والله ما هو بالشعر ولا بالنثر.
فلما قال هذه الكلمات نخر في كفار قريش، قالوا: أصبأت يا أبا الوليد؟ ماذا يقول السفهاء إذا سمعوا كلامك؟ والله لا تقوم حتى تقول فيه قولاً يؤثر عنك، قم فكر، قال: دعوني أفكر، فقام وفكر، ثم فكر، ثم قدم وأخر، فلعن كيف قدر، وقال كما قال الله عنه:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً}[المدثر:١١] يقول: اتركني يا محمد، اترك هذا الذي يقول هذا الكلام:{وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً}[المدثر:١٢ - ١٦] الآيات الواضحات والدلائل البينات التي سمعها ورفضها موقفه منها العناد {كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً}[المدثر:١٦] والجزاء: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً}[المدثر:١٧] صعود جبل في جهنم اسمه صعود، سيكلف بصعود هذا الجبل، لماذا؟ قال:{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر:١٨ - ٢٥] قال الله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}[المدثر:٢٦ - ٣٠] والعياذ بالله.
وكانوا يتلقون الركبان والذين يقدمون إلى مكة ويحذرونهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقولون: إنه ساحر يفرق بين الرجل وبين ولده، وبين الزوج وزوجته، ولكن لم يكن الناس يستجيبون لهم، إلا البسطاء المغفلين، وأما العقلاء فيقولون: نسمع منه، ومنهم: الطفيل بن عمرو الدوسي، هو من أشراف قومه، ومن نبلاء عشيرته، رجل عظيم من بلاد زهران، من بلاد دوس، دخل مكة وتلقوه على أبوابها، وقالوا: هذا قطن ضعه في أذنك، قال: لماذا؟ قالوا: هناك رجل عند الكعبة إذا سمعته يسحرك، يقول: فوضعت الكرسف -القطن- في أذني وجئت أطوف، وإذا بي أسمع، قلت: حسناً يا طفيل أنت رجل عاقل ولبيب، أخرج القطن واسمع إن كان خيراً، فلما سمع القرآن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداًً رسول الله.