كان عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه؛ وهو تابعي وإمام من أئمة العلم دلته أمه على العلم وكان ذميم الخِلقة، قصير القامة، أسود البشرة، بحث عن عمل فلم يجد، وكلما عمل في عمل لم يوفق فيه، رجع إلى أمه، قال: يا أماه! ما أراني إلا قد شقيت ما لقيت عملاً دليني على مهنة، قالت: ألا أدلك على عمل إن عملته هابتك الملوك وانقاد لك به الصعلوك؟ قال عمل تهابني به الملوك، قالت: نعم.
قال: ما هو؟ قالت: عليك بالعلم، فأخذ محبرته وصحيفته وذهب إلى مكة وطلب العلم، فحفظ القرآن الكريم ثم حفظ السنة المطهرة، ثم فتح الله عليه حتى أصبح لا يقال في الأرض قولاً إلا بعد قول عطاء، إذا نوزع في مسألة، قالوا: ماذا قال عطاء عالم مكة رضي الله عنه وأرضاه.
وقد حج أحد الخلفاء إلى مكة ولما ذكر في مجلسه مسألة قال لهم: ماذا قال فيها عطاء، قالوا: لا ندري! قال: أرسلوا له، فأرسلوا لـ عطاء فرد عليه وكتب له ورقة، قائلاً: ليس لنا حاجة فيما عندك فنأتيك، وإن كان لك حاجة فيما عندنا فتعال عندنا، قال: أنصف والله عطاء، فأخذ نفسه وذهب إليه، ولما طرق الباب عليه كان يصلي فأطال في الصلاة، نزل الولد ورأى الخليفة عند الباب فرجع إلى أبيه وأخبره، فلم يقطع صلاته، وبعد أن أكملها أذن له ودخل الخليفة غاضباً وقال: ما هذا الجفاء يا عطاء! قال: أي جفاء تعني؟ قال: دعوناك فلم تأتنا، واستأذناك فلم تأذن لنا، قال: أما دعوتك لي فقد أخبرتك، وأما استئذانك فإنك استأذنت وأنا بين يدي ملك الملوك فكرهت أن أقطع مناجاته لمناجاتك، قال: ما تقول في المسألة، فأعطاه الجواب، ولما خرج ترك له صرة بها عشرة آلاف دينار، فأرسل بها ولده وقال: ردها له، ندله على النجاة ويدلنا على الهلاك، ما لنا بها حاجة.
هذا عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه وأرضاه.
كان بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة ويقرأ مائتي آية من سورة البقرة، وهو ضعيف وكبير في السن ويقرأ مائتي آية من سورة البقرة وهو قائم لا يزول ولا يحول ولا يتحرك حركة واحدة.