يقول الله:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}[الأنعام:٣١] كيف كذبوا بلقاء الله؟ قد يقول شخص: أنا مصدق بلقاء الله، نقول: فتش عن عملك فالصادق يظهر تصديقه على عمله، والكذاب يظهر تكذيبه في عمله، أما الكلام فلا ينفع، لا ينفع أنك صادق بدون دليل أو برهان، هل ينفع الكلام عند الناس بدون دليل؟ هل ينفع أنك تذهب الآن في أي مكتب عقار وتقول: عندي عمارة وأريد أن أبيعها، فيقول لك صاحب العقار: أين؟ فتقول: في حي من أحياء جدة، على شارعين وأربعة أدوار، وفيها ثمان شقق ومحلات تجارية ودخلها مائتا ألف، فقال: أين هي؟ وكم سعرها فتقول: فقط خمسمائة ألف، فإذا جاء إليها صاحب العقار وطلب منه ما يثبت له أن هذه العمارة هي له قال: لا يوجد، فلا يقبل صاحب العقار كلامه لأنه ليس عنده حجة، فيتهمه صاحب العقار بالجنون ثم يشتمه لأنه أتعبه!! ما رأيكم في هذا، عمارة على شارعين، أرضيتها (٢٠ × ٢٠) لا يمكن أن تحصل عليها إلا بصك شرعي إنه إيمان وعمل صالح ولقاء الله، ثم تقول: إنك مصدق به وليس عندك دليل عليه، هات الدليل؟ والله ليس عندي دليل فقط بقلبي، العمارة هذه لي بقلبي، والإيمان بقلبي لا ينفع، لا بد من عمل.
بين الله تبارك وتعالى في القرآن أن الكاذبين يحلفون يوم القيامة مثل ما كانوا يحلفون في الدنيا، كانوا في الدنيا يحلفون بالكذب ويدعون الدعاوى ويريدون أن يدخلوا الجنة بالكذب وباليمين، قال الله عز وجل:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المجادلة:١٨ - ١٩] لأنهم يريدون الجنة بالكذب وبالأيمان الكاذبة.
فهذا الذي يكذب بلقاء الله تظهر آثار التكذيب في تصرفاته، والذي لا يصلي جماعة في المسجد هذا لا يعد صادقاً في إيمانه، هذا منافق؛ لأنه لو كان يعرف حقيقة قيمة الصلاة، وأهمية الصلاة في المسجد، وأن الذي لا يأتي إلى الفجر والعشاء منافق، لأتى المسجد، ولو يعلم أن في المسجد أموالاً تقسم على كل صلاة عشرة ريالات يعني خمس صلوات يومياً بخمسين ريالاً، لكن الفجر عليها عشرين من أجل أنها في وقت نوم، هل سيدع أحد الصلاة في المسجد؟ والله لن تتسع لهم مساجد جدة، ويأتي الرجال والشيوخ والبنات والنساء والأولاد وتمتلئ الشوارع، ويصفون من نصف الليل في الصف الأول، من أجل أن يستلم ويمشي، لماذا؟ من أجل عشرة ريال، لكن لما يقال له: إن صلاتك في المسجد تفضل صلاتك في بيتك بسبع وعشرين درجة، يقول: أريد درجة واحدة، وليس له درجة، الحديث في الصحيحين:(صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة) لكن مع العذر، يعني: أنت معذور نمت أو مرضت أو غلبت أو نسيت وما تعمدت، وفاتتك الجماعة، وتقطع قلبك عليها، وتندمت كأنك خسرت شيئاً كبيراً، ورجعت إلى بيتك تصلي فلك درجة، أما أن تسمع المؤذن وتقول: لا.
سأصلي هنا، فمالك إلا الوعيد من لعنة وغضب، لماذا؟ لأن العلماء يقولون: لا مفاضلة بين ما هو واجب -وهي صلاة الجماعة- وبين ما هو محرم -وهو ترك الصلاة في المسجد- ليس هناك مفاضلة بين الواجب والمحرم، المفاضلة في الحكم الواحد، فهي واجبة، أما محرم تفاضل بينه وبين واجب!! لا.
ولهذا عَدَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الاختيارات الفقهية حضور الجماعة شرطاً في صحة الصلاة، ولا تقبل الصلاة إلا بالجماعة إلا بعذر، لحديث:(من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلاها) ولحديث في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنقلب معي رجالٌ معهم حزمٌ من حطب، فأحرق على قومٍ بيوتهم لا يشهدون الصلاة، لولا ما فيها من النساء والذراري) لماذا يحرق عليهم؟ أعلى ترك سنة أم على ترك واجب وارتكاب محرم فهذا الذي لا يصلي في الجماعة، ولا في المسجد ليس مصدقاً بكلام الله، بل عنده تشكيك، ووالله لو كان مصدقاً وجازماً بلقاء الله لما ترك صلاة الجماعة الآن الذين عندهم تصديق في قلوبهم لا يمكن أن يصلوا إلا في بيوت الله قلبه مربوط بالمسجد، في مكتبه وقلبه في المسجد، في فراشه يتقلب طوال الليل وعينه في الساعة متى يأتي الأذان؟ بل قبل الأذان وهو في بيعه وشرائه وسوقه وعينه على وقت الصلاة متى يأتي لماذا؟ لأنه مصدق بلقاء الله، أما ذاك لا، بل حتى لو ذكرته فإنه لا يريد، لماذا؟ ليس عنده يقين، لم يحصل عنده الإيمان والتصديق الكامل بلقاء الله عز وجل.