للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القيام بالأذان]

ومن الذين لهم حالة مميزة يوم القيامة، وهي أن أعناقهم طويلة المؤذنون: الناس كلهم يبعثون على وضعهم الأول إلا أهل الأذان، يأتون ورءوسهم فوق الرءوس، ورقابهم أطول الرقاب، ويعرفهم الناس من بين سائر أهل الموقف، وإذا كل رجل رأسه فوق رءوس الناس، وتراه ينظر إلى الناس، والناس من تحته.

فإذا سألته: لماذا رأسك طويل؟ قال: كنت أقول: (لا إله إلا الله).

ولهذا الأذان من أعظم القربات إلى الله، وقد نزلت فيه آية في القرآن الكريم، وهي قول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:٣٣] هذه الآية نزلت في بلال وفي المؤذنين، وفي كل من يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:٣٣] انظروا، يبين الله لكم فضيلة الأذان؛ وأن الناس كلهم نائمون في صلاة الفجر، بينما تسمع الأذان فتفتح النافذة وإذا بهذا يؤذن، وذاك يؤذن، والآخر يؤذن، والدنيا كلها تؤذن؛ إذاً هؤلاء أفضل الناس، الناس كلهم رقود وهؤلاء يذكرون الله، الناس كلهم نائمون وهؤلاء يقومون، فأول من يتوضأ المؤذن، وأول من يفتح المسجد المؤذن، وأول من يفتح الكهرباء المؤذن، وأول من يشغل الميكرفون المؤذن، وأول من يفتح النوافذ من أجل أن يخدم الناس المؤذن، وأول من يرتب المصاحف ويرتب الفرش المؤذن، ثم يأتي ويقول: الله أكبر، ويكررها خمسة عشر صوتاً، أليس هذا بفضل؟! نعم.

فضل عظيم لا يبلغه أحد.

ولذا اختلف العلماء وفاضلوا بين عمل الإمامة والأذان أيهما أفضل؟ فقال قوم: الأذان أفضل.

قيل: لماذا؟ قالوا: لحديث: (أطول الناس أعناقاً يوم القيامة المؤذنون).

وللآية الكريمة: أن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّه} [فصلت:٣٣].

ولأن المؤذن يأتي أول الناس، ويقرأ أكثر الناس، ويصلي أكثر الناس، ويخرج آخر الناس، مَن يخرج آخر الناس؟ المؤذن، فهذا من أفضل الناس.

وقال آخرون: الإمامة أفضل.

قيل: كيف ذاك؟ قالوا: أفضل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختارها، فكان إماماً ولم يكن مؤذناً، ولا يختار صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل، إذ لا يمكن أن يصير هو في شيء مفضول؛ لأنه يعرف موازين الأعمال ومقاديرها، فما دام أنه صار إماماً فهو أفضل.

وبعضهم توسط في المسألة وقال: الإمامة أفضل أحياناً، والأذان أفضل أحياناً.

قيل: متى؟ قالوا: إذا كان الإمام عالماً بدين الله، خاشعاً في صلاته، قدوة في عبادته، محافظاً على إمامته، كان عَمَلُه أفضل؛ لأنه إذا أحسن فله ولهم.

إذا صليت وأحسنت فلك أجر من صلى خلفك دون أن ينقص من أجورهم شيء.

إذاً فهذا أفضل.

قالوا: والأذان أفضل إذا كان الإمام غافلاً أو جاهلاً أو غير قدوة، كما هو معروف عند كثير من الناس، بعض الأئمة يتمسك بالإمامة كما يتمسك بألذ شيء، لماذا؟ لأجل الراتب؛ لكنه لا يتقن الفاتحة، ولو تقدم شخص عليه ضاربه ولو في المسجد: كيف تتقدم وأنا عندي بطاقة وأنا إمام؟ يا أخي، هذا أقرأ منك، (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).

لكنه يخاف أنه يقدمه، فيذهب في الغد ويقدم في وزارة الأوقاف ويأخذ الراتب ويتركه، فتراه يرابط على الإمامة وهو ليس أهلاً لها.

أو يكون جاهلاً، أو غافلاً في صلاته؛ يكبر ويصلي؛ ولكنه لا يشعر أين هو! يسرح فيبيع ويشتري، ويأخذ ويعطي والناس وراءه، حتى إن بعض الناس يصلي ويسهو والسهو هذا يرد يا إخوان.

تصوروا أنه لا يوجد إمام إلا ويغلط، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سها يوماً في صلاته، قال العلماء: إنه لا يسهو في صلاته من تفكيره في الدنيا؛ لكن لبيان مشروعية هذا، وأنه أمرٌ قد يقع، فسها يوماً في صلاة الظهر فصلى ركعتين ثم سلم، فالصحابة سكتوا؛ لأنهم يعرفون أنه لا يسلِّم إلا بوحي، فكان هناك شخص اسمه: ذو اليدين من الصحابة، أي: يداه طويلتان، كانت يداه إلى ركبتيه من طولهما.

قال: (يا رسول الله! أقُصِرَت الصلاة أم نسيتَ؟ قال: لَمْ تُقْصَر ولَمْ أنسَ، قال: بل نسيتَ، فقال الصحابة: بلى، نسيتَ يا رسول الله! فاستدرك، واستقبل القبلة، وصلى ركعتين، ثم سجد للسهو، وسلَّم).

فالسهو يَرِدُ؛ لكن بنسبة قليلة نادرة، فالرسول عليه الصلاة والسلام سها مرة في حياته كلها، وأنت تسهو مرة في عشر سنوات، أو في خمس سنوات، أو في سنة؛ لكن الذي يسهو كل يوم، ما رأيكم في هذا الإمام؟ كل يوم في صلاة الظهر إذا كانت أربعاً فإنه يجعلها خمساً، والمغرب ستاً، أو اثنتين.

أين أنت يا إمام؟ فإذا بالمسكين يبيع ويشتري، ويحل المعاملات، ويعمل كل شيء.

وبعضهم يزيد والجماعة لا يدرون، فلا يسبحون ولا أحد يشعر به؛ لأن كل واحد في وادٍ، نعم.

لماذا؟ لأن الصلاة مُهْمَلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! حتى قال بعض أهل العلم: إن خشوع الإمام يؤثر على خشوع المصلين.

خشوع الإمام إذا كان صالحاً فإن قراءته تؤثر في المؤمنين، وإذا كان الإمام غير خاشع فالذين وراءه لا يخشعون إلا مَن عظم الله عزَّ وجلَّ.

فهؤلاء المؤذنون فضلهم عند الله عظيم، فهم أطول الناس أعناقاً يوم القيامة لما روى مسلم في صحيحه، قال عليه الصلاة والسلام: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) وعليك ألا تتصور أن طول رقاب المؤذنين مثل رقاب الجِمال، لا.

بل هي طول جمال، لا طول تشويه، وطبعاً الآن يتفاخر الناس بطول العنق، إذا أراد شخص أن يتزوج قال: ما شاء الله عنقها مثل عنق الغزال؛ لكن إذا كانت رقبتها لاصقة برأسها، فإنه يقول: هذه لا تصلح.

فعنق المؤذن يوم القيامة ليس طوله طول تشويه، لا.

بل طول جمال، يزيد الله في عنقه جمالاً حتى يكون مميزاً بين الناس؛ لماذا؟ لأنه من أهل من رفع لا إله إلا الله على الأرض.

وأيضاً لماذا يكون عنقه طويلاً؟ لأن عمله جليل وعظيم، فأطال الله عنقه ليُعرف بهذا العمل العظيم.

والمؤذن يشهد له كل شيء سمع صوته يوم القيامة، كل شيء يسمع أذانك وأنت ترفع الأذان في الدنيا يشهد لك يوم القيامة، والحديث عند البخاري وهو صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام لـ عبد الرحمن بن صعصعة وكان رجلاً يأتي عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجلس أياماً يتعلم ثم يرجع، وكان صاحب غنم، يجلس في باديته يرعى غنمه ثم يجيء، وهكذا، قال: (يا عبد الرحمن، إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك وأدرَكَتْك الصلاة وأذَّنْتَ فارفع بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) حتى الحجر، والشجر، والبحر، والجبال، كلها تأتي يوم القيامة تقول: نشهد أن هذا العبد وحَّدك في الدنيا.

فتصور شهادة الناس، وخاصة بعد هذه المكبِّرات، هذه مِن نِعَم الله على الإنسان، ولذا أوصي أي شاب تتاح له فرصة الأذان أن يؤذن.

بعض الناس يقول: لا أريد الأذان.

لماذا؟! قال ارتباط.

قَدِّر أنها ارتباط؛ لكنه ارتباط على كرامة، ارتباط على ثواب وأجر، ليس على إهانة، إذاًَ أمسك الإمامة! لا أريد الإمامة.

لماذا؟ مسئولية وارتباط.

إذاًَ لمن يعطوا الإمامة والأذان إذا أنت تركتهما؟ أمسكها واربط نفسك عليها، ليس هناك مشكلة، يوم أن تكون مؤذناً في مسجد فستكون مرتبطاً؛ لأنك ليس عندك شغل.

إذا جاء وقت الأذان وأنت في الفصل أو في المدرسة فمباشرة استأذن واذهب للأذان، وإذا جاء وأنت نائم فقُم، إذا جاء وأنت معزوم فاذهب.

ما أعظم الأذان؛ لأنه يربطك بالمسجد! ثم إنك تؤذن قبل العشاء بثلث ساعة، ثم تجلس إلى صلاة العشاء، ومعك ثلث ساعة كم ستقرأ فيها؟ وبعد أذان الفجر إلى وقت الإقامة نصف ساعة، كم ستقرأ؟ المهم أنه سيصبح لك فضل لا يعلمه إلا الله عزَّ وجلَّ.