للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراحل خلق الإنسان في القرآن الكريم]

وتعالوا بنا أيها الأحبة! قبل أن نعرج على ذكر شيء من أسباب العظمة، ومن أسرار الإعجاز الرباني في خلق الإنسان، نتأمل بعض الآيات القرآنية، آية أو آيتين، نتبين من خلالها حديث الرب سبحانه وتعالى عن خلقنا نحن، عن تكويننا، عن نشأتنا، عن سر الإعجاز في وجودنا، يقول الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:٥ - ٧].

ويقول تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٢ - ١٤].

أيها الإخوة المؤمنون: من خلية واحدة، من عشرات الألوف الكامنة في نقطة واحدة من ماء الرجل تتحد ببويضة المرأة في الرحم، ينشأ ذلك الخلق المعقد المركب، وهو من أعجب الكائنات الحية، الخلية هي الحجر الأساس في بناء الإنسان، ومنها يبدأ سر الحياة، هذه الخلية التي لا ترى إلا بالمجاهر الضخمة فهي على صغرها عبارة عن بحر متلاطم مليء بالحيوانات المختلفة، وهي مليئة بالعناصر فيها حوالي ثمانية عشر عنصراً من الأكسجين والفحم والكبريت والكلس والفسفور، في جسم الإنسان من هذه الخلايا ألف مليون مليون خلية، ويستهلك الجسم في الدقيقة الواحدة من خلاياه سبعة آلف وخمسمائة مليون خلية، من يصدق أن هذه النقطة الصغيرة المتعلقة بجدار الرحم تكمن فيها جميع خصائص هذا الإنسان المقبل من صفاته الجسدية وسماته من طول وقصر وضخامة وضآلة، وقبح ووسامة، وآفة وصحة، كما تكمن فيها صفاته العصبية والعقلية والنفسية، وأن هذه النقطة الصغيرة الضئيلة في هذا الإنسان المعقد المركب الذي يختلف كل فرد من جنسه عن الآخر فلا يتماثل اثنان في هذه الأرض على الإطلاق، وهذه من أعجب الأشياء، هذه النقطة الصغيرة كل البشر لا يمكن أن يأتي اثنان متشابهان في كل الأشياء، مستحيل.

قد يتشابه اثنان مثلاً في لون الوجه، في لون العينين، في بعض الملامح البارزة لكن لا يمكن أن يتفق على وجه الأرض منذ فجر الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا يمكن أن ترى اثنين يتشابهان في كل الأمور، وفي كل الصفات، وفي المزاج، وفي التفكير، وفي الطبائع، لا يمكن، بل اللمحة العجيبة في ذلك أن الإبهام لا يمكن أن يتشابه فيه اثنان على وجه الأرض أبداً، تدرون متى يمكن أن يتشابه إبهامان على وجه الأرض، يقول العلماء: يحتمل أنه في حوالي أربعة وستين ملياراً من البشر، يمكن أن يتشابه إبهام اثنين من الناس، أي: لو وجد عندنا من البشر أربعة وستون ملياراً لعل اثنين منهم يتشابهون في الإبهام ولا يمكن أن يتشابه اثنان في الإبهام، وانظر إلى هذه العظمة ولذلك بعض العلماء يقول: هذه المعجزة لها إشارة في كتاب الله تعالى وهو قوله: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:٤] قالوا: هذا هو المقصود.

{بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} فقلنا: لو أن في أربعة وستين ملياراً من البشر يمكن أن يتشابه فيهم اثنان، مع أن البشرية كلها على آخر الإحصاءات يمكن ما تصل إلى أربعة مليارات، ليس أربعاً وستين ملياراً، هذا المخلوق، هذه النطفة الصغيرة أيها الأحبة! من يصدق أنه سيتشكل منها ذلك المخلوق الكامل الذي هيأه الله سبحانه وتعالى وخلقه فأحسن صورته، انظر إلى هذا الإنسان كم فيه من بدائع صنع الله تعالى، كم فيه من الإعجاز، انظر إلى البصر، انظر إلى العين وما فيها من الإعجاز، انظر إلى السمع وما فيه من تعرجات تحفظها، انظر إلى السائل المر في الأذن، انظر إلى العين كيف جعل الله تعالى فيها سائلاً مالحاً؟! انظر كيف جعل الله تعالى الحدقة مصونة بالأجفان لتسترها وتحفظها وتسقلها وتدفع عنها الأقذاء، وجعل شعر الأجفان أسود ليساعد على استقبال الرؤية، وجعل كما ذكر ماء العين مالحاً وماء الأذن مراً وماء الفم حلواً؟! ولو أن ماء الفم على غير هذا الطعم، ما استطاع الإنسان أن يتلذذ بشراب على الإطلاق، وأعذب ماء في البدن الذي هو في الفم.