[الباب الرابع: عند ورود الشهوة]
إن الشهوات التي تأتيك لتفتنك وتسيطر عليك وتدغدغ مشاعرك مثل شهوة المال والمنصب والجاه والنساء أو أي شهوة من الشهوات، هذه إذا رأيت أنك تورطت فيها قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إذا كنت آمراً وتحت يدك مأمورون وجاءتك شهوة الإمرة، تكون نقيباً أو ملازماً أو رائداً، أو مقدماً أو مسئولاً كبيراً وعندك صف ضباط، أو أفراد وجاءك الشيطان ينفخ فيك، يقول: انظر النجوم فوق ظهرك، انظر الضفادع! إذا جاءك تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] قل له: سأدخل القبر بدون بدلة، هل سمعتم أحداً دخل القبر ببدلته، جاء ومعه التيجان، من أجل أن يقولوا له: ما رأيك يا أفندي حساب أم لا حساب، لا والله لا يقولون لك: يا أفندي ولا أبندي! يعرفونك أنك مؤمن أو غير مؤمن، مصلي ومن أهل الإيمان ونعم بك، والله لو على ظهرك (درزن) نجوم ما تنفعك، يقول الله تبارك وتعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:١٠١] إذا جاءتك شهوة المال والطغيان، وعندما يأتيك المال وتراه شيكات وأرصدة وأموالاً وراتباً، قل له: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:٣٧].
واذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في مسند أحمد وهو صحيح قال: (التقى مؤمنان على باب الجنة، مؤمن غني ومؤمن فقير، فلو أنه غني فاجر ليس هناك طريق إلى الجنة؛ لأن تحويله على النار، لكن هذا مؤمن غني من أهل الإيمان- قال: فأدخل الله الفقير لتوه) ما عنده شيء، مثل الذي يريد أن يسافر المطار يريد أن يسافر جدة أو الرياض أو الدمام ويأتي يقول: ما عندي (عفش) وفي لوحة الركاب بدون عفش، أعطهم الورقة ويعطونك البطاقة ادخل الطيارة، لكن هذا الذي عنده عشرين أو ثلاثين (كرتون) ينزلها من السيارة ويحملها على العربيات، ويأتي يقف بها في الصف، وبعد ذلك قسائم وأوراق ويحملها، وما ينزل إلا آخر واحد من هناك ويجلس يرقبها، وهي رحلة بسيطة من هنا إلى مكة أو إلى الجنوب.
لكن رحلتك إلى الآخرة إذا جئت وأنت محمل دنيا، وما عندك عمل صالح، قال: (فأدخل الله المؤمن الفقير لتوه، وحبس المؤمن الغني ما شاء الله أن يحبس) حساب بدون عذاب، سين وجيم، من أين وفين، وهو ما أخذ ريالاً حراماً، ولا صرف ريالاً في حرام؛ لأن مسئولية المال نوعان: مسئولية الأخذ، ومسئولية الإنفاق، فالأخذ يجب أن يكون حلالاً، والإنفاق يجب أن يكون حلالاً، لا تدفع ريالاً في علبة دخان، تأتي يوم القيامة تقول: صرفتها في دخان، ما الدخان؟ كيف تخرجها عند ربك؟ يسألك الملك: ما الدخان؟ غذاء؟ تقول: لا.
شراب؟ لا.
دواء؟ لا.
لباس؟ لا.
ما هو؟ تقول: دخان دخان، حسناً أكمل الدخان هناك في دار الدخان: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:١٠] أعوذ بالله أين عقلك؟! تحرق ريالك وتحرق جيبك، وتغضب ربك وتطرد ملائكته، تأخذ هذا المخزي الخبيث، الناس يتطيبون بالطيب ويشترونه بمئات الريالات وعشرات الريالات، وأنت تشتري بخورك من بول إبليس ومن شجرة الشيطان الرجيم، وتأخذها في علبة وتتبخر بها كل يوم.
لا تصرف ريالاً في حلق لحية، كما يقولون الآن: يأتي الواحد عند الحلاق ويجلس هكذا، يضع له اثنتين عند أذنيه، ويجذب لحيته من الأذن إلى الأذن، وبعد ذلك يدبغه، ويأتي بالصابون وأيدي الحلاق وسخة؛ لأنه ما غسل يديه طوال اليوم، وذاك مستسلم مغمض عينيه! وبعد ما يكمل يضع اللحية عند رجليه! وبعد ما ينتهي يقول: نعيماً، الله لا ينعم عليك، ليس نعيماً بل جحيماً تحلق لحيتك وتقول: نعيماً، وهذا يقول: أنعم الله عليك، ويفتح الحقيبة ويطلع له أبو عشرة، تفضل هذه أجرة حلق اللحية، الله المستعان! ولا حول ولا قوة إلا الله! وعشرة أحاديث صحيحة في البخاري ومسلم والمسند نرفضها: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) (أسدلوا اللحى) (خالفوا المجوس).
(خالفوا المشركين) وكلها على جنب ولكن من نتبع ريجن وجورباتشوف الذين لحاهم مجلدة ونحن مسلمون أتباع محمد بن عبد الله نحلق اللحى ونعارض الرسول صلى الله عليه وسلم معارضة قوية، قال: (قصوا الشوارب واعفوا اللحى)، قلنا: لا.
نحلق اللحى ونخلي الشوارب، ترى شنبه كبير فتقول له: ماذا بك؟ يقول: شنب، شنب!! الشنب مأمور بحلقه وبإزالته وتقصيره، لماذا تخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ والله أنك مسئول عن العشرة الريال بين يدي الله يوم القيامة، وبعضهم يقول: ما دام أنا مسئول إذاً أنا أحلقها، أنا أوريكم في لحيتي ويذهب إلى البيت ويشتري له سكاكين ومكائن ويجلس أمام المرآة ويجلد، ويحاربونها، تريد الحياة وهم يريدون لها الموت! كل يوم وهي تريد الحياة ولكن تحارب بالسلاح الأبيض، والله لو حاربنا إسرائيل كما حاربنا لحانا لأنهيناهم؛ لأن الحرب قائمة بيننا وبين اللحى ولا حول ولا قوة إلا بالله! فأنت مسئول عن كل ريال تنفقه، وبعض الناس ما يحلقها هكذا، بل يعمل فيها ديكورات مرة هنا مثل الختم الرسمي، ومرة هنا ويربطها بحبل ومرة يسوي خط إسفلت عرضه اثنين سنتيمتر من هنا ومن هنا! ومرة بعضهم يجعل له شنباً مع اللحية ويخلي فمه مثل الفتحة وسطها، يا جماعة الخير أين عقول المسلمين؟! ما هذا اللعب في وجوهنا ولحانا يا إخواني؟ وأصبحت مهزلة والله، هذه لحية زينك الله بها وجملك بها، وجعلها من أصل تكوينك، يقول الله عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:٤] لو جئنا على واحد قطع نخرته ما رأيكم فيه، هل هو مشوه لنفسه؟ نعم.
كذلك الذي يحلق لحيته يشوه نفسه؛ لأن الله ما أوجدها فيك وأمرك أن تبعدها، وما أمرك الرسول بحلقها، فأنت من الآن جهز الجواب، وإذا جاء يوم القيامة قل: والله كنت أحلق لحيتي بالفلوس هذه، هناك تعلم أن عذراً أقبح من ذنب.
(فالتقى المؤمنان على باب الجنة، فدخل الفقير والغني حبس -حبس بالسؤال والجواب، أتدرون كم حبس؟ حبس خمسمائة عام، ثم دخل الجنة؛ لأن حرام الدنيا عقاب، وحلالها حساب- قال: فدخل المؤمن الغني الجنة، ولقيه صاحبه في داخل الجنة قال: والله يا أخي! لقد خشيت عليك، ما الذي حبسك عني؟ -يقول: يا أخي! خفت أنهم ذهبوا بك الدار الدانية، ما الذي حبسك؟ - قال: حبسني مالي، حبست محبساً سال مني من العرق ما لو أن ألف بعير أكلت من حمض النبات ثم وردت عليه لصدرت عنه رواء).
ألف بعير، والبعير ما يرويه برميل إذا عطش، إذا أكل الحمض الذي يقطع جوفه من العطش ثم وفد على الماء يعبي برميلاً، هذا مقدار شرب ألف بعير هو عرق السؤال والجواب، كيف عرق العذاب؟! عرق العذاب يلجمهم في النار، كما جاء في الحديث: (أن أهل المحشر منهم من يلجمه العرق إلجاماً، ومنهم من يغطيه، ومنهم من يسبح فيه).
فيا أخي المسلم! إذا جاءك المال ورأيته متزخرفاً فاصرفه في سبيل الله، استعن به على طاعة الله {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧] ليس هناك مانع أن تسكن وتركب وتتزوج وتأكل وتكرم الضيف وتلبس ولكن الزائد حوله إلى الآخرة.
أما أن تكنزه وتتباهى وتتعاظم به على المسلمين، فالمال هذا لا ينفع يوم القيامة بل يكون وبالاً على صاحبه في الدنيا والآخرة.
هذه الأربعة الأحوال للشيطان، العدو الأول من الأعداء الأربعة الذين قلت: إنها في طريق الذاهب إلى الله، في طي المراحل على طريق المطايا، أربعة أعداء:
إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف النجاة وكلهم أعدائي
وقد تكلمت في هذا المجلس عن العدو الأول اللدود وهو إبليس.
أما الحديث عن الدنيا فيحتاج إلى مثل هذا المجلس، والحديث عن الهوى يحتاج إلى مثل هذا المجلس، والحديث عن النفس الأمارة بالسوء يحتاج إلى مثل هذا المجلس، ولما كان الوقت ضيقاً فإننا نرجئ ذلك إلى فرصة أخرى بإذن الله، نسأل الله أن يقدرها على خير.