[شعب الإيمان المتعلقة باللسان]
الشعبة الأولى: التلفظ بكلمة الإخلاص: (لا إله إلا الله)، وهذه من أعظم شعب الإيمان، يقول موسى عليه السلام لربه سبحانه وتعالى: (يا رب! قل لي قولاً أذكرك به؟ قال: يا موسى! قل: (لا إله إلا الله)، قال: يا ربِّ كل عبادك يقولون هذا -يقول: أريد شيئاً خاصاً أعظم من هذه الكلمة- قال: يا موسى! لو أن السماوات السبع والأراضين السبع وعامرهن غيري في كفة و (لا إله إلا الله) في كفة لرجحت بهن (لا إله إلا الله)) فهذه الكلمة أعظم كلمة في الوجود، أن تقول: (لا إله إلا الله) وهي أساس الإيمان، بل أعلى كلمة وأعلى شعبة من شعب الإيمان.
الشعبة الثانية من الشعب التي تتعلق باللسان: قراءة القرآن، وهي من الإيمان، ولهذا إذا قرأت القرآن، ماذا يحصل؟ يحصل لديك زيادة في الإيمان، يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال:٢ - ٤] فهذه شهادة من الله تعالى، أن المتصفين بهذه الصفات مؤمنون حقيقيون، وليسوا مؤمنين صوريين: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:٤]، فقراءة القرآن أيها الإخوة من أعظم شعب الإيمان، والذي يداوم ويكثر الصلة بالقرآن تلاوةً، وتدبراً، وتجويداً، وعملاً، وتطبيقاً، يزيد إيمانه حتى يصير مثل الجبال، والذي يهجر القرآن، ويقطع الصلة بالقرآن، يتضاءل إيمانه، وينحسر دينه إلى أن يضعف، بل يذبل، وربما يموت وينتهي إيمانه.
ولهذا ترون في الناس من جفاف في الأرواح، وقسوة في القلوب، وتحجر في العيون، وجرأة في المعاصي، وكسل في الطاعات؛ السبب الأول والأخير في ذلك بُعد الناس عن القرآن، وإذا أردت أن تعرف مقدار درجة الإيمان عند أي شخص فانظر إلى علاقته بالقرآن.
وإذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله؛ فاسأل نفسك عن منزلة القرآن في قلبك، إن كان للقرآن في قلبك مكان ومحل ومنزلة ولك به علاقة، فاعلم أن لك منزلة عند الله، وإن كان القرآن مهجوراً في حياتك وليس له مكانة، فليعلم العبد البعيد ألا مكانة له عند الله.
فالله الله أيها الإخوة! عودة إلى كتاب الله، إن قراءتك للقرآن ذكرٌ لك في الأرض، وذخرٌ لك في السماء، ولا يوجد أعظم أجراً من تلاوة القرآن، فالذين يقرءون القرآن عندهم ملايين من الحسنات، بل أكثر، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:٢٩ - ٣٠].
فلابد أن تعيد ترتيب حياتك بحيث ترتبها على ضوء القرآن الكريم، وتجعل في برنامجك وقتاً للتلاوة، بعد الفجر، بعد المغرب، عقب كل صلاة، قبل كل صلاة، المصحف في الجيب، وفي السيارة، وفي المكتب، وعند سرير نومك، وكلما وجدت فرصة تمد يدك إلى القرآن، وتقرأ القرآن ولك بكل حرف عشر حسنات، قال صلى الله عليه وسلم والحديث في السنن والمسند: (من قرأ حرفاً من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) فأي تجارة أعظم من هذا أيها الإخوة.
الشعبة الثالثة من شعب الإيمان المتعلقة باللسان: ذكر الله، وهذه يقول أهل العلم: إنها إذا ما وجدت فهي دليل على حياة القلب بالإيمان، وعدم وجودها دليلٌ على موت القلب، وعدم وجود الإيمان فيه، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (مثل الذي يذكر الله، والذي لا يذكر الله؛ كمثل الحي والميت).
والذكر هذا عمل عظيم، في سنن أبي داود وغيره -يعظمه شيخ الإسلام ابن تيمية - حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أفضل الأعمال عند مليككم، وأزكاها عند ربكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟! قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله) فذكر الله عظيم، إذا ذكرت الله ذكرك الله، إذا ذكرت الله في نفسك ذكرك الله في نفسه، وإذا ذكرت الله في مجموعة من الناس ذكرك الله في ملأ خير منهم في السماء: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:١٥٢] وقد طلب الله من العباد أن يكثروا من ذكره: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:٤١] {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:٣٥].
وطلب من العبد أن يشغل لسانه بالذكر دائماً: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:١٩١] فلا يوجد حالة رابعة، إما قائم، أو قاعد، أو راقد، فتذكر الله قائماً، وقاعداً، وعلى جنب.
ولكن -أيها الإخوة- ما أصعب الذكر على الغافلين.
لقد غفل كثير من الناس عن ذكر الله، وملئت حياتهم بما يصد عن ذكر الله، ملئت حياتهم بشيء يقعدون أمامه الساعات الطوال لا يذكرون الله، يجعل أحدهم دشاً فوق البيت ثم يأخذ معه الجهاز، ويقفز من شر إلى شر، ومن قناة إلى قناة، حتى يقوم وقد جف قلبه، وتحجرت عينه، ويأتي لينام فترفض عينه أن تغمض؛ لأنها قد جفت من الدمع، من النظر إلى الحرام -والعياذ بالله- وقلبه أقسى من الحجر، وجسمه أكسل ما يكون في طاعة الله، لماذا؟ لأنه غفل عن ذكر الله.
وما كانت في الماضي هذه الأمور فالله الله! ذكراً لله، لا بد أن تكون ذاكراً لله بأنواع الذكر الخمسة: الأول: ذكر الله عند ورود أمره.
الثاني: ذكر الله عند ورود نهيه.
الثالث: ذكر الله في الأحوال والمناسبات.
الرابع: ذكر الله بالأذكار العددية.
الخامس: ذكر الله المطلق.
(لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) كما قال صلى الله عليه وسلم.
الشعبة الرابعة من الشعب المتعلقة باللسان: تعلم العلم وتعليمه: فإن هذا من أعظم الشعب، ومجيئكم إلى هذا المجلس جزءٌ من شعب الإيمان، ولهذا سوف تجدون بعد نهاية الجلسة أن قلوبكم أرق وأرقى في الإيمان منها قبل أن تدخلوا، لن يكون قلبك بعد نهاية الجلسة مثلما كان قبل أن تأتي، لماذا؟ لأن إيمانك زاد، وكيف؟ بسماع العلم، سمعت آية من كتاب الله، وحديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلمة ترقق قلبك، وتقربه إلى الله، ولذا لا بد أن تتعاهد قلبك حتى يزيد إيمانه عن طريق مجالس العلم.
اجعل في جيبك ورقة وفيها الندوات والمحاضرات التي بين المغرب والعشاء في أي مكان في الرياض -مثلاً- واجعل هذا الوقت لله، وقل: ليس لي عمل عند أحد، ولست مدعواً عند أحد، ولا أنا مشغول بأحد، لماذا؟ عندي محاضرة في مسجد كذا، وغداً في مسجد كذا، وتابع حلق الذكر بهذا بعد فترة تجد إيمانك مثل الجبال، زاد إيمانك عن طريق تعلم العلم.
الشعبة الخامسة: الدعاء: دعاء الله، وتفويض الحاجات إلى الله، وطلبها من الله، هذا يدل على قوة الإيمان؛ لأن الذي يدعو عنده ثقة، ويقين على أن المدعو قادر، ولذا تجد دائماً كل من كان إيمانه بالله أقوى كانت صلته بالله أقوى، ودعاؤه لله أقوى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس دعاءً لربه، ما كان يعمل شيئاً إلا ويدعو الله، في كل أمر يدعو ربه، وكلما دعوت ربك استجاب لك، لكن لا تعجل، وتقول: قد دعوت، وقد دعوت! لا.
مشيئة الله ليست على ما تريد، ادع وعندك يقين أن الله لن يضيع دعاءك، يقول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠]، وخصوصاً إذا خلا الدعاء من الموانع التي تمنعه من الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، ومن أعظمها أكل الحرام، الذي يتغذى بالحرام لا يستجيب الله دعوته، والحديث في صحيح مسلم: (الرجل أشعث أغبر يطيل السفر، يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!!) يعني: يستبعد أن يستجاب له؛ لأنه قد أكل الحرام والعياذ بالله.
الشعبة السادسة: الاستغفار: وهو إعلان الانكسار والتضرع بين يدي الله، وهو مشروع عقب الطاعات فضلاً عن المعاصي، يقول الله عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} [البقرة:١٩٩] بعد يوم عرفة، وأنتم واقفون طوال اليوم في عرفة وقد غفر الله الذنوب، أفيضوا واستغفروا الله: {كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨].
إذا صلينا الآن العشاء، من وقت أن يسلم الإمام وكل واحد منا يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، تستغفر من ماذا؟ هل كنت تغني، أو تلعب أم تصلي؟ والصلاة أعظم عمل، لكن تستغفر الله، لماذا؟ لأنك قد تكون قصرت في صلاتك سهوت أو غفلت، أو أنقصت أو زدت، تستغفر الله، فإذا كان الاستغفار مشروعاً ومطلوباً عقب الطاعة، فكيف لا يكون مشروعاً عقب المعصية؟! ولهذا قال الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُو