[المجال الأول: التفكير في دلالة القرآن على صدق الرسالة]
أول مسار: أن تتفكر في كون هذا القرآن دليلاً واضحاً وبرهاناً ساطعاً على أن هذا هو محمد بن عبد الله رسول من عند الله، الله جعل القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم معجزة ودلالة وبرهاناً على أنه نبي، وما من نبي يبعث إلا ويؤيد بمعجزات، وكانت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الخالدة هي القرآن الكريم، يقول الله فيها: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:٥١] أي: ما كفاهم دليل على نبوته إنزال القرآن الكريم؟! هذا الكتاب الكريم معجز في كل شيء: معجز في بلاغته معجز في فصاحته معجز في بيانه معجز في تشريعاته معجز في أحكامه معجز في الاقتصاد معجز في السياسة معجز في الاجتماع معجز في الحدود معجز في الأخلاق معجز في الآداب وفي كل شيء، تلبس الإعجاز في كل كلمة من القرآن الكريم، وهل يمكن أن يأتي بهذا القرآن بشر؟! لا والله، والله ما فيه حرف إلا من الله تبارك وتعالى، ولهذا تكفل الله بحفظه وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] وهاهو محفوظ بأمر الله منذ نزل إلى أن تقوم القيامة، ما يزاد فيه حرف، ولا ينقص منه حرف، لماذا؟ لأنه كلام الله.
إذاً كلام النبي صلى الله عليه وسلم -الحديث النبوي- لفظه من الرسول ومعناه من الله؛ لأن الرسول لا ينطق عن الهوى، لا ينطق إلا بوحي من الله عز وجل، لكن كلامه الذي ينطقه هو بوحي من الله عز وجل معنىً، ولفظه من الرسول يسمى حديثاً، بينما كلامه الذي ينطقه عن الله تبارك وتعالى قرآناً هذا كلام الله.
استطاع الكذابون والوضاعون أن يضيفوا أحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سمعتم بهذا؟ طلبة العلم يعرفون هذا الأمر، وكتب الموضوعات كثيرة، ما معنى موضوع؟ أي: كذاب عدو للإسلام والمسلمين يضع حديثاً ويقول: قاله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وتَقَبَّله بعض الأمة وهو مكذوب وموضوع، إلى أن قيض للأمة ولدين الله عز وجل من يحفظه بتمحيص وتفريق وتنقية الباطل من الحق، حتى بقي دين الله محفوظاً، لكن يوجد أناس تقولوا وكذبوا، لكن لا يوجد شخص كذب على الله وأضاف حرفاً واحداً في القرآن الكريم.
حتى مسيلمة، مسليمة من؟ من يعرف أباه؟ لا يوجد شخص في الدنيا إلا يعرف باسم أبيه إلا مسيلمة، إذا قيل مسيلمة قالوا: الكذاب، وهو اسمه: مسيلمة بن حبيب الكذاب، هذا ادعى النبوة لكن ما استطاع أن يضيف في القرآن، كتب للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد: فإني قد أُشركت معك، فلك نصف الأرض ولي نصفها.
يحسب أنها ذبيحة! يقسم الأرض! فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم جواباً، انظروا جواب النبوة! قال: (من محمد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده).
من على وجه الأرض، هل يوجد في الدنيا الآن كم يشهد أن مسيلمة رسول الله؟ لا أحد، حتى عياله الذين من صلبه يقولون: مسيلمة الكذاب، لكن على وجه الأرض الآن أكثر من مليار مسلم يشهدون أن محمداً رسول الله، دين الحق دين عظيم، فهذا الكتاب الكريم يشهد شهادة بأعلى صوت ومن أعلى منبر أنه كلام الله، وأنه من عند الله، وبالتالي تطمئن نفسك إذا قرأت القرآن ورأيت إعجاز القرآن، تسكن نفسك وتسير في الخط؛ لأنك على يقين، تعبد الله على نور، تعرف أنك على الحق، والله الذي لا إله إلا هو أن من على وجه الأرض كلهم على باطل إن لم يسلموا.
اليهود على باطل، النصارى على باطل، الملاحدة على باطل، الهندوس على باطل، البوذيون على باطل، كل هؤلاء إلى النار، من الذي على الحق؟ المسلم، وما نقول هذا من عاطفة أو من حماس أو من اندفاع أو من تعصب؛ لأننا مسلمون، لا.
نقوله من منطق الحق عندنا وثيقة، ما هي وثيقتنا في هذا الكلام؟ القرآن الكريم.
هل يمكن أن يكون هذا القرآن كلام بشر؟ لو كان كلام بشر لكان بإمكان البشر أن يأتي بمثل هذا الكلام، لكن لما عجز البشر أن يأتوا بمثل هذا الكلام يقول الله عز وجل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:٨٨] لماذا؟ لأنه كلام الله، ولا يمكن أن يأتي البشر بكلام الخالق، خالق البشر تبارك وتعالى، فأنت حينما تقرأ القرآن وتتدبر، وتمر عليك آيات ومعجزات، يزداد قلبك إيماناً، وهذا مجال عظيم، يثبت فيه قلبك على الإيمان والدين.