[الكذب]
المعوق السادس -وهو من أخطرها-: الكذب:- وأنا جعلتُه الأخير، لأنه مرض منتشر في أكثر الناس.
الكذاب لا يهديه الله أبداًَ، مستحيل أن يهديه، قال الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:٢٨] فهو كذاب، كيف يهدي الله رجلاً كذاباً دجالاً متلوناً، كل يوم له صبغة، وكل يوم له لون، وكل يوم له فكرة؟ لن يهديه الله.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدُق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صِدِّيقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً) وإذا كتبه الله كذاباً قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:٢٨] لا يمكن أن يهديه الله، ولهذا ترون أن الكذاب من الناس هو أحط درجة في المجتمع، أسفل رجل، وأنقص رجل، لا قيمة له، حتى عند نفسه، فلو سألت الكذاب عن شيء، ستجده في نفسه يعرف أن خبره ليس صدقاً، حتى زوجته لا تثق في كلامه، وأولاده لا يثقون في كلامه، وجيرانه لا يثقون في كلامه، وكل الناس لا يثقون فيه، إذا نُقل خبر قيل: من قائل هذا الكلام؟ فإذا قيل: فلان، قيل: فلان كذاب، فلا يوثق في كلامه، حتى وإن كان صادقاً فسيقال عنه: كذاب؛ لأن الله قد كتبه كذاباً.
فـ {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:٢٨]-والعياذ بالله، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩]، ويقول: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:٢١]، وأيضاً في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحِقت بركة بيعهما) الكذاب الذي يبيع سلعته، ويخفي العيب فيها، ويكتم، ويكذب في استعمال السلعة، هذا يمحق الله بركته، لكن انظروا إلى التاجر الصادق، إذا جئت إليه، وقلت له: ماذا في السيارة؟ قال: السيارة فيها الماطور لا يعمل جيداً، هذا الذي أعرف فيها، وغير ذلك لا أدري، نقصت قيمة السيارة، بدل أن كان سيبيعها بعشرين أصبح يبيعها بعشرة، لكن يبارك الله في العشرة.
وكم من بائع يبيع سيارة بثلاثين ألف ريال، ويقول: ليس فيها أي شيء، فيقال له: أمصدومة هي؟ فيقول: أأبيع لك سيارة مصدومة؟! أتصدق هذا الكلام؟! فلا يعطيه كلمة لا وكفى، بل يعطيه شيئاً أعظم من لا، يقول: وهل تصدق أني أبيع لك السيارة مصدومة؟ أبداً، هذه ليس فيها أي شيء، وإذا سأله عن الكيلو كيف هو؟ قال: الكيلو؟ لم يقف لحظة واحدة.
وهو واقف منذ سنتين، وإذا سأله: كم مشت؟ قال: خمسة آلاف فقط.
من البيت إلى الدوام، لا أذهب إلى أي مكان آخر.
ثم باعها بقيمتها وربما أكثر، لكن محق الله البركة.
قال: (فإن كذبا) أي: في السعر (وكتما) أي: العيب، (محقت بركة بيعهما) وكم رأينا كثيراً من الحالات، أن الكذاب يمحق الله بركة بيعه.
أيضاً: الكذب من علامات النفاق، روى البخاري ومسلم في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) فالذي يكذب في المواعيد وفي الأقوال هذا -والعياذ بالله- منافق ولا يهديه الله إلا إذا تاب.
وأيضاً في الحديث الصحيح عند البخاري، حديث سمرة بن جندب، حديث الرؤية الطويل، أنه صلى الله عليه وسلم انطلق مع اثنين من الملائكة في رحلة طويلة، ومن ضمن أحداث الرحلة أنه قال: (انطلقنا فأتينا على رجل مستلقٍ على قفاه، وآخر معه كلُّوب من نار، فيُشَرْشِر شِدْقه من فمه إلى مسمعه، ثم يُشَرْشِر الثاني، ثم يعود لهذا، فيكون كما كان، قلت: من هذا؟ قال: هذا الرجل يخرج من بيته، فيكذب الكذبة، تبلغ الآفاق).
كذاب، يصنف الكذبات، يصنع ويصدر الكذب، لا يسمع شيئاً إلا ويضيف عليه كذبة، هذا -والعياذ بالله- عذابه في النار، أعاذنا الله وإياكم.
وأيضاً عند البخاري ومسلم حديث صحيح: يقول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: -منهم- رجل باع سلعة، فحلف بالله أنه اشتراها بكذا، فصدَّقه ذاك وهي على غير ذلك) هذا -والعياذ بالله- لا يكلمه الله يوم القيامة، فتأتي عنده في الدكان، فتقول: هذه السلعة بكم يا أخي؟ فيقول: نعطيك برأس مالها، فتقول: كم رأس مالها؟ فيقول: والله أنها عليَّ بأربعين، تفضل خذها بأربعين.
ماذا ينتظر من الزبون أن يفعل له؟ أيعطيه ثلاثين، وهو يحلف له بالله أنه أخذها بأربعين؟ أينوي أن يخسره؟ بل يعتبره ما قصَّر وتجمل فيه أنه أعطاه برأس ماله، وما ربح عليه، ولكن عندما يخرج من عنده ويذهب إلى الدكان الآخر يجد السلعة بثلاثين، أي: أنها بعشرين، ذاك أقنعه وصدقه بيمينه، ولكن باع السلعة واشترى النار، واشترى غضب الجبار.
لا تحلف بالله كاذباً ولا باراً، لا حول ولا قوة إلا بالله!!