[إكرام الإسلام للمرأة]
لقد ساوى الله عز وجل بين الرجل والمرأة في الجزاء في الآخرة قال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:٩٧] وساوى الله عز وجل في التوجيه في سورة الحجرات لما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:١١] وكرَّم الله المرأة وخصها بنصيب عظيم من العناية من ذلك في جميع مراحل حياتها، فالله أكرمها أُماً في حين أن الجاهليين الآن في الشرق والغرب يرمون بالأمهات في الملاجئ؛ فإذا بلغت الأم خمسين سنة انتهى الانتفاع بها، وردةً مُصت واستنشقت فذبلت، فلما ذبلت ركلت يركلونها ويذهبون بها إلى دور العجزة، ولا يعرفها ولدها ولا بنتها ولا أخوها ولا زوجها ولا تبقى لتموت ببطء حتى تنتهي.
أكرمها أماً: الإسلام كرَّمها أماً، فقال عز وجل: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة:٨٣] وقال عز وجل: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:٢٣] ويروي البخاري ومسلم في الصحيحين حديث الرجل لما سأل الرسولَ صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟) يعني: من هو أولى الناس لأن أكون له أطوع، وأحسن الناس إليه، وأرفق الناس به؟ من هو؟ من هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أمك) الله أكبر! فهذا الرجل أخذها على أنها في أعلى منزلة، قال: (ثم من؟) يريد أن يضع الثاني (قال: أمك) ضع أمك في المرتبة الثانية أيضاً (قال: ثم من يا رسول الله؟) يريد أن يضع أخرى (قال: أمك) ثلاث مرات: أمك.
في الدرجة الأولى، والثانية، والثالثة (قال الرجل: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
ثم أدناك فأدناك) الآن أكثر الناس لا يتقي الله في أمه بل يجعل امرأته في القائمة الأولى، المرأة هي الأولى في القائمة والأم في آخر القائمة، البسمة للمرأة، والثوب الجيد، والتمشية، والسهرة، والراتب في يد المرأة، وأمه إن لم تكن في بيته فيأتيها في الشهر مرة وهو مستعجل، حتى إنه لا يتفرغ لكي يشرب عندها ماءً، يأتي ولا يطفئ حتى السيارة، يقول: مستعجل ذاهب للدوام عندي شغل عندي موعد بينما الجلسات كلها لامرأته، الله أكبر! لا إله إلا الله! وأكرمها الإسلام بنتاً، فقد كانت توأد في الجاهلية، والله عز وجل حرم هذه العادة وأبطلها، وجعل تربية اثنتين من البنات سبباً لدخول الجنة، ففي الحديث الصحيح من رواية مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (من عال -أي من ربى- جاريتين -يعني: ابنتين- حتى تبلغا؛ جاء يوم القيامة أنا وهو معاً، وضم إصبعيه الاثنتين) من عنده اثنتان من البنات يربيهن على الإسلام ويعلمهن الإيمان إلى أن يزوجهن هذا رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
والمرأة أكرمها الإسلام زوجةً، يقول عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وامتدح الله رسله فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨] وجعلها نعمة وآية من آياته قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:٢١].
وأكرمها أيضاً مؤمنة، فكان أول قلبٍ مؤمن تألق بنور الإيمان هو قلب خديجة رضي الله عنها، فأول من آمن من النساء خديجة رضي الله عنها، وكانت أول شهيدة في الإسلام امرأة وهي سمية أم عمار بن ياسر وزوجة ياسر رضي الله عنهم.
قتلها أبو جهل، وكانت الأسرة كلها مؤمنة: سمية وولدها عمار وزوجها ياسر.
الأسرة كلها مؤمنة، وهم كانوا عبيداً وموالي، وكان أبو جهل يعذبهم تعذيباً لا يعلمه إلا الله، ويمر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ويقول: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) ويمر الخبيث عليها فيطعنها بالرمح حتى ماتت ويسيل دمها على الأرض فكانت أول قطرة دم تقع على الأرض في سبيل الله، أي شرف أعظم للمرأة من هذا الشرف أيها الإخوة؟!! وامتدحها الله عز وجل صابرةً، هذه أم سليم بنت ملحان -في قصة طريفة جداً- مرض ولدها ثم مات، ودخل عليها أبو طلحة -زوجها- من المسجد وقد تطيبت وتصنعت وقالت لمن في البيت: لا تخبروه.
وغطت الولد بعدما مات بلحاف، وقامت تتجمل، وتتزين، وتتعطر، ولما دخل أبو طلحة قالت لمن في البيت: لا تعلموه.
فلما سألها عنه قالت: هو أسكن ما يكون.
وصدقت لأنه في سكون تام، لكنه فهم أنه قد شُفي.
قالت: هو أسكن ما يكون.
ثم قدمت له العشاء، ثم أتما ليلتهما على أتم حال، فلما كان آخر الليل -طبعاً قد هدأت الدنيا، لم يعد هناك سخط ولا غضب، وإنما الأنس والوفاق- جاءت تعرض الخبر عرضاً أدبياً جميلاً، قالت له: يا أبا طلحة ألم ترَ آل فلان -ضربت مثلاً- استعاروا عارية ثم تمتعوا بها، ثم طُلبت العارية منهم فشق عليهم ردها -أبوا ردها وقالوا: لا نرد العارية- قال: ما أنصفوا، هذا ظلم، كيف يرفضون رد العارية؟! قالت: فإن ابنك كان عاريةً من الله فقبضه.
الله أكبر ما أعظم صبر هذه المرأة! ما أعظم هذه العقلية! فالرجل قد ضربت له مثالاً، لم يعد بوسعه أن يعمل شيئاً فاسترجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وحمد الله وقال: الحمد لله.
وقال: والله لا أدعك تغلبيني على الصبر، أي: لا أجعلك تسبقيني إلى الصبر، سأصبر اقتداءً بك.
فلما أصبحا من الغد ذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد نزل عليه الوحي من السماء وأخبره الله بخبرهما في الليل فقال: (بارك الله لكما في ليلتكما) فحملت تلك الليلة ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وولدت ولداً سماه أبوه عبد الله لم يكن في الأنصار شابٌ أفضل منه، ولم يمت حتى رزق عشرة من الأولاد كلهم حفظوا القرآن؛ ببركة هذا السلوك العظيم من هذه المرأة الطاهرة.
لكن لو أنها من نسائنا ومات ولدها لصعقت وصاحت، وإذا دخل بعلها قالت: ما ذهبت به إلى المستشفى، أنت الذي أمَتَّ ولدي، وأنا أطلب منك أن تأخذه إلى الطبيب كل يوم، أنت راضٍ وقامت تضع المسئولية عليه بدلاً من أن تقول مثل هذا الكلام العظيم الذي قالته هذه المرأة الفاضلة، هذه المرأة الصابرة من أين اكتسبت هذا الصبر؟ ومن أين تحلت بهذه الأخلاق؟ لقد -والله- تحلت به من الإيمان الذي عمر قلبها، ومن النور الذي أنار باطنها، وهذا غيض من فيض، وقليل من كثير من حديث اهتمام الإسلام بالمرأة وإكرامها، يقول الشاعر:
فلو كان النساء كمن ذكرن لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ وما التذكير فخر للهلال