ومعنى قراءة السنة: أن تأخذ حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفهمه وتطبقه، وأول حديث عندكم في الأربعين النووية معروف يبدأ به العلماء كلهم، وهو حديث عمر رضي الله عنه:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) وهذا أخذناه في صف خامس، هذا الحديث ذكره العلماء في بداية كتبهم لأجل أن الشخص عندما يقرأه يصحح النية، فعندما تكون في تحفيظ القرآن الكريم وتسمع:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) هذا يدعوك إلى أن تصحح نيتك في وجودك في هذه المدرسة، وتعرف أنك هنا يجب أن تتعلم كلام الله، وأن تحفظ كتاب الله من أجل العمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه، هذا معنى: إنما الأعمال بالنيات، أما لغير ذلك فلا يجعل الله في علمك بركة ولا قراءتك، ويمكن أن تظهر فيما بعد بأنك من أفسد خلق الله، وإذا رآك الناس لعنوا المدرسة التي أخرجتك لمجتمعك، وأنت قد حفظت القرآن، لكن نيتك فاسدة فكان عملك كله فاسد، فلابد من تصحيح النية! وهذا الحديث سببه: أن أناساً هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فهناك من هاجر لنصرة الدين ومنهم من هاجر لغير ذلك، فأحد الناس هاجر لأجل امرأة كان يحبها، وآخر هاجر لأجل تجارة، فكلهم في الهجرة سواء، لكن اختلفوا في النيات فاختلفوا في الثمرة.
من هاجر لله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن هاجر لامرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها، فهجرته إلى امرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها، لكن ليس له عند الله نصيب، فأنتم معنيون بهذا الحديث.
ومعنى قراءة السنة: أن تقرأ الحديث وتتفكر فيه، فمثلاً: قراءة الحديث عن النعمان بن بشير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه) إن الحلال واضح والحرام واضح، الحلال: كالصلاة والزكاة، والحرام: كالزنا والخمور والفجور، وفي الوسط أشياء مشتبهة لا يعلمها كثير من الناس أهي من حلال أم حرام، لا يعرفها إلا أهل الإيمان والعلم والنور الرباني، فالذي يتركها ويقول: لا أقع فيها لأنها مشتبه، فهذا قد استبرأ لدينه وعرضه، والذي يقع فيها يقع في الحرام، لماذا؟ لأنه مثل الراعي الذي يرعى حول الزرع، وهذا الزرع محمي، أي: عليه جدار وهذا الزرع شعير أو بر أو ذرة، فجاء صاحب الزرع وقال: يا فلان أبعد غنمك من عند زرعي، فقال: لن تقارب زرعك فأنا أراقبها جيداً أنا أرعاها، هي ترعى من قرب الجدار، ومن هنا ومن هنا، فقال صاحب الزرع: حسناً، لكن انتبه! فغفل الراعي وقامت واحدة من الغنم فدخلت في الزرع وأكلت، وجاءت الثانية ودخلت، وإذا بالزرع قد انتهى كله، فيقول عليه الصلاة والسلام:(كالراعي يرعى حول الحمى -يعني: حول الزرع المحمي- يوشك أن يرتع فيه -يعني: يمكن أن تدخل واحدة- ألا وإن لكل ملكٍ حمى، إلا وإن حمى الله محارمه) فحمى الله الحرام والشبهات هذه التي يرتع فيها أكثر الناس، والواضح هو الحلال.
فإذا قرأت هذا الحديث فيلزمك رأساً أن تمتنع عن كل شبهة فضلاً عن المحرمات، لا تقع في شيء مشتبه فيه فالذي لا تدري أهو حلال أم حرام فاتركه احتياطاً لدينك، هذا معنى قراءتك للسنّة، وأصح كتاب يمكن دلالتكم عليه باعتباركم مبتدئين هو كتاب: رياض الصالحين، لا بد أن يكون في بيتك وعند رأسك، هذا الكتاب ألفه الإمام النووي رحمه الله، واختاره من الكتب الصحيحة، وكل ما فيه صحيح، لم يذكر فيه حديثاً ضعيفاً أو موضوعاً، وإنما كل ما فيه صحيح، إلا سبعة عشر حديثاً قال أهل العلم: إنها حسنة، أما ما فيه فهو يدور بين الصحة والحسن.
اقرأ كتاب رياض الصالحين وابدأ من أول الكتاب، واجعل لك في كل يوم حديثاً، فاقرأ لك حديثاً واحفظه ثم طبقه ثم علم الناس إياه، ما تنتهي من رياض الصالحين إلا وأنت عالم بإذن الله، لأن بعض العلماء لا يعرف رياض الصالحين ويريد أن يكون عالماً، وبعض المدرسين لا يعرف رياض الصالحين ويريد أن يكون مدرساً، وبعض طلبة العلم لا يعرف رياض الصالحين ويريد أن يكون طالب علم، ورياض الصالحين من مسماه، من عاش فيه عاش في الرياض، فهذا هو السبب الثاني وهو قراءة السنّة.