للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الإيمان بالبعث والنشور على الإنسان]

تجد العاصي ليس عليه قيد، ولا شرط، ولا أمر، يذهب إلى الدوام متى ما يريد، ويتغدى من كل ما لذ وطاب، ثم ينتقل إلى غرفة نومه لينام إلى الساعة الرابعة والنصف أو الخامسة بدون صلاة عصر، ثم يستيقظ ليجد أمامه الشاي والقهوة والمكسرات والخيرات ليأكل من نعم الله، ثم يركب سيارته ليقوم بجولة على المنتزهات في هذا الجو الجميل وهذه البلاد الآمنة المباركة، ثم يعود في الساعة الثامنة أو الثامنة والنصف ليتناول طعام العشاء، ثم يذهب في سهرةٍ يقتل فيها ليله بالورق أو بالأغاني أو بالأفلام أو بالتمشيات إلى الساعة الثانية أو الواحدة بعد منتصف الليل، ثم يذهب لينام إلى الساعة التاسعة، فهذا مبسوط مسرور، لكن بعد هذا البرنامج مواقف يشيب منها شعر رأسه، يتمنى أنه ما عرف هذه الحياة {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:١٣] ما كان يحزن ولا يخاف من الله، ولا يذكر القبر وظلمته، ولا الصراط وحدته، ولا الموقف وهيبته، ولا النار والعذاب وإنما يذكر شهواته وملذاته {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:١٣] ثم جاء السبب الكبير قال الله: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق:١٤] هذا هو السبب.

والشاهد من هذا الكلام كله: أنه لو اعتقد وتيقن هذا الغِر أنه لن يرجع إلى الله والله لو آمن بأنه سيرجع ما ترك الصلاة ولا الزكاة، وما ملأ بطنه من الحرام، ولا سمع ولا قال الحرام، لكن ما ظن ولا اعتقد أنه سيسأل، ولذا يعمل ما يشاء لا ما يشاءه الله منه! {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} [الانشقاق:١٤ - ١٥] ظن أنه لن يحور إلى الله لكن الله يعلمه، ويعرف حقائقه، ويسجل عليه أعماله، وما غاب عن سجل الله، ولا استطاع أن يفلت من قبضة الله: {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} [الانشقاق:١٥] لا يعمل الإنسان أي عمل إلا والله معه {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:٦١] وما يعزب عن علم الله شيء: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:٥٩].

دبيب النملة السوداء في الصخرة الصماء في الليلة الظلماء يسمعه الله عز وجل، إن الله لا يعزب عن علمه شيء: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:٥] وهذا الذي كان يعمل على مزاجه، ويظن أنه لن يرجع إلى الله كان مسجلاً عليه عمله، قال الله: {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} [الانشقاق:١٥].

فوقوف الناس عند إشارة المرور إيماناً بالعقاب والجزاء فالأعمى -أعمى البصيرة- الجاهل، المتعلم، الكبير، الصغير، المستعجل، الذي عنده مريض، أو ميت كل شخص يجب أن يحترم نظام المرور، ويقف أمام إشارة المرور مهما كانت عجلته فلا بد أن يقف، وإذا قطع شخص الإشارة فماذا يحصل؟ أولاً: الناس كلهم يؤاخذونه على هذا الاتجاه، وينظرون إليه: لماذا تقطع الإشارة يا قليل الأدب؟ والذي عنده غيرة على أموال ودماء المسلمين ينظر في اللوحة ويأخذ الرقم ولون السيارة وجنسها ويعطل غرضه ويذهب إلى أقرب مركز مرور ويقول: يوجد سيارة الساعة كذا لونها كذا جنسها كذا ورقمها كذا تجاوزت الإشارة، وهذا من باب التعاون؛ لأن احترام نظام المرور شيء مفروغ منه؛ لأن هناك حماية لدماء وأموال المسلمين، والناس الآن كلهم متمسكين بهذا، وإذا شخص أخطأ مرة انتقده الناس كلهم، وجازاه المرور، ولا يرحمه أبداً.

وإذا جاء مخالف للمرور عند الجندي أو المسئول، وقال: اسمح لي، قال: ما أسمح لك، قال: قطعت الإشارة وتريدني أن أسمح لك؟! كيف تتحدى النظام ترى الضوء الأحمر وتتجاوز أين عقلك؟ أين عينك؟ لا أقدر لو كانت مخالفة أخرى ربما أسمح لك، فلو وقفت في مكان خطأ ما فيها خطورة، لو أقفلت الطريق على شخص بسيارتك فخطورتك على الذي أقفلت عليه لكن عندما تخالف الإشارة، محتمل في تلك اللحظة أن تحدث لك كارثة أو تفعل كارثة، لكن لو أنك وقفت مكانك فلا الأرواح تزهق ولا السيارات تدمر، وإذا بالناس كلهم يحترمون نظام المرور وإشاراته؛ لأنهم آمنوا بعقوبة الجزاء، لكن ما رأيكم لو وجدت إشارات وما من مرور يراقبها هل أحد سيحترم الإشارة؟ والله ما ترى إلا هذا يقطع وهذا يعمل حادثاً ولو أشرت سبعين إشارة، لماذا؟ لأنه لا إيمان عند الناس بأن هناك جزاء بعدها، والناس -أيضاً- يؤمنون بالإشارة حتى بالغيب، أنا أحياناً أمر الساعة الثانية عشرة ليلاً فأجد الإشارة حمراء والاتجاهات كلها ليس فيها ولا سيارة فأقف، وأرى الناس واقفين، فأقول في نفسي: لماذا لا أمشي ما دام ما في سيارة لا من هنا ولا من هنا؟ أصلاً الإشارة وضعت من أجل تنظيم السير للناس الآن هذا فاضي، لماذا لا أمشي؟ فأقول في نفسي: قد يكون هناك عسكري جالس خلف هذا الباب، يمكن في اللحظة هذه تأتي سيارة المرور، أو يأتي جندي بدراجته النارية، الأفضل أن أصبر ربع دقيقة، لأن أطول إشارة لا تتجاوز نصف دقيقة أو دقيقة كاملة، لماذا؟ آمنت برجل المرور في الغيب وليس في الشهادة، ولذا انضبط سلوك الناس في قضية الإشارة.

لكن الإشارة الربانية لا أحد يقف عليها إلا المؤمنون، كما توجد إشارات حمراء وخضراء للسير أيضاً يوجد في القرآن إشارات حمراء وخضراء، فمن الإشارات الحمراء لا تقتل {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:١٥١] لا تزنوا، لا تسرقوا، لا وهذه لا يعني خطر لا تمش فيه، وهناك إشارة خضراء أقيموا الصلاة، آتوا الزكاة، صلوا الأرحام، بروا الآباء، اعملوا الخير، هذه اسمها إشارة خضراء.

لكن لضعف الإيمان ولعدم وجود اليقين بالبعث والجزاء والثواب والعقاب في الجنة أو النار نرى الكثير لا يقفون عند إشارات المرور الربانية، فنراهم يقتحمون إشارة الزنا، بل بعضهم يفتخر أنه قطعها ودخل في جريمة الزنا، ولا يعلم أنه باقتحام هذه الجريمة عرض نفسه لعقوبة جهنم، يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:٣٢] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢] وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (ما عصي الله بذنبٍ بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرج لا يحل له) المؤمن لو يسحبونه بأنفه لا يزني أبداً، حتى ولو سجن لا يمكن أن يرتكب جريمة الزنا، لماذا؟ لأنه يقارن بين لذة الجريمة وألم العقوبة فيجد أن لذة جريمة الزنا لذة زمنية بسيطة تعقبها الحسرة والندامة، بينما العقوبة عقوبة لا يعلمها إلا الله، ولا تتحملها الجبال، فيقول: لا.

نصبر على معاناة ترك الزنا من أجل أن يعوضنا الله في الدنيا، ويعوضنا في الجنة بالحوريات، ونسلم من النار، فهو رابح في كلا الحالتين.

البعض يمر على إشارة الربا ويقع فيها، وأمواله في الربا، ويعمل في محلات الربا، ولا يعرف أنه يحارب الله؛ لأن من أكل الربا فقد أذن الله بحربه، قال الله: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٩] أخبرهم الله، وأطلق وأعلن الحرب عليهم.

من الناس من لا يقف عند الإشارة الحمراء كالنظر لمحرم، والسماع لمحرم، والكلام المحرم؛ لأنه ليس بمؤمن، والله لو كان مؤمناً ما عملها، وهذا نلمسه الآن في سلوك الشباب الملتزمين الذين رضخوا لله، إذا خرجوا إلى الأسواق ترى الواحد عينه بين قدميه، لا يرفع نظره عن الأرض، وإذا رأى امرأة غض، وذاك الذي ليس عنده إيمان قوي بالبعث يخرج وعينه معلقة بالسماء، بل بعضهم يسقط في الحفر وهو لا يشعر؛ لأن عينه في كل اتجاه، وإذا رأى امرأة نظر إليها، الله يقول: غضوا وهو ينظر، عكس أمر الله، فذاك آمن وهذا لم يؤمن.

إن الإيمان بالبعث مهم، وسوف نركز عليه بإذن الله في دروس كثيرة جداً.