عبد الله أنت الآن في سوق الدنيا، وسوف تصدر منها إلى الآخرة محملاً بما عملت، يقول الله:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا}[النمل:٨٩] إذا سابقت في هذا السوق وجمعت لك حسنات، وجمعت العمل الصالح ورجعت إلى الله، قال الله:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}[النمل:٨٩ - ٩٠] عاش في الدنيا يجمع السيئات والعياذ بالله، ويلقط الجمر بعينه: فينظر إلى الحرام وبأذنه يسمع الغناء وبلسانه يتكلم بالغيبة والنميمة واللعن والسب والشتم، ويمشي إلى الحرام، جاء بالسيئة، ليته ما جاء.
مثله كمثل رجل غاب عن أهله، جلس في العسكرية عشر سنوات وهو غائب يجمع المال، ثم رجع إلى أهله وليس معه إلا (مشعاب وباكت دخان) وليس معه شيء، ويوم دخل؛ أين نقودك يا ولدي؟! أنت عشر سنوات وأنت غائب، ماذا معك؟! قال: لا شيء، والله لا يوجد غير الراتب كنا نأخذه ونأكله، فما رأيكم في أهله هل يفرحون به؟ والله لا.
فقد لا يصنعون له العشاء، ويطردونه من نفس البيت، (الله لا يكثر خيرك، ولا يجمل حالك) إن كنت تغيب عشر سنوات ثم تأتي بباكت الدخان، هذا لا نريده، وإذا قال: يريد أن يتزوج، لا أحد يزوجه؟! والله لا يزوجونه قط، لماذا؟ لأنه ضايع لا يحفظها.
لكن ما رأيكم في رجل غاب عشر سنوات ويجمع الريال على الريال، ولما أكمل المدة، أخذ إجازة وجاء إلى أهله محمل سيارة كاملة، الفرش، والأثاث، والثلاجة، والغسالة، والأدوات المنزلية، والهدايا، كسا أهل القرية من أولهم إلى آخرهم، ما ترك رجلاً ولا امرأة إلا أهدى له غترة أو شيلة أو ثوباً، أو بشتاً، ثم دخل على أهله وأخرج الفلوس يعطي أمه، ويعطي أباه، ويعطي إخوانه، ويعطي أنسابه، ما رأيكم في هذا؟ كيف يبيت الليلة؟ كل واحد يسلم على رأسه، وكل واحد يسلم على يده، ويذبحون الذبائح له، ويأخذه أهل القرية من طرفهم إلى طرفهم، عزائم كل يوم، وإذا تكلم، وقال: أريد فلانة؟ قالوا: الذي تريد مع الذي تريد، الله يحييك (ومرحباً ألف).
وأنت الآن خذ رجولتك من الدنيا، لا تأت إلى الآخرة بالمنكرات، لا تأت بقطع صلاة وقلة دين، بل جئ بإيمان وعمل صالح، يزوجك الله بالحور العين، يقول الله:{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[النمل:٩٠].