وفيه توجيه للصحابة بالتصرف عندما يدركون بعض هذه الأمور، يقول أحد الصحابة:(كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح حذاءه، ومنا من ينتقش، ومنا من هو في جلسة، إذ نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمعنا إليه، فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأموراً تنكرونها، وتأتي فتنٌ، يرقق بعضها بعضاً، فتأتي الفتنة بعدها -يعني: أكبر منها- فيقول الأول: هذه مهلكتي، فتأتي فتنة ثم تنكشف، وتأتي فتنة ثم تنكشف، وتأتي فتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت للناس الذي يحب أن يؤتى له) هذا خبر من النبي صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان ستكون فتن، وهذه الفتن ضخمة، وبعضها يرقق بعضاً، كيف ذلك؟ قال العلماء: كلما أتت لك فتنة قلت: الأولى أخف من هذه، ويرقق يعني: يسهل، فالأخيرة أعظم من الأولى، وهكذا ثم قال عليه الصلاة والسلام:(من أراد أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة -إزاء هذه الفتن- فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت للناس الذي يحب أن يؤتى له).
ومن هذه التوجيهات التي كان لها أثر عظيم في حياة السلف وحياة الصحابة الذين أدركوا بعض هذه الفتن، منها: ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن عثمان تأتيه بلوى، والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فدخل بئر أريس -حائط من بساتين المدينة - يقول: فتبعته، فقال: يا أبا موسى! أقفل الباب ولا تفتح لأحد إلا بإذني، فقلت: لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: شرف عظيم أني اليوم بواب النبي صلى الله عليه وسلم- يقول: فجلست فأتى أبو بكر، فطرق الباب، فقلت: من؟ قال: أبو بكر، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: افتح له وبشره بالجنة، قال: ففتحت له وبشرته بالجنة، فدخل وسلم وجلس على البئر بإزاء النبي صلى الله عليه وسلم ودلى رجليه مع رجلي النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: وبينما أنا جالس طرق الباب طارق، فقلت: من؟ قال: عمر، فاستأذنت له النبي فأذن له وقال: ائذن له وبشره بالجنة -الله أكبر! - يقول أبو موسى: فقلت في نفسي ليت أخي يأتي) يظن أن من أتى ودخل بُشر، المسألة ليست هكذا، هذه جنة لا يدخلها الشخص إلا بعد تعب {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة:٢١٤] يقول: (قلت في نفسي: ليت أخي فلان يأتي حتى يبشره بالجنة، يقول: وبينما أنا جالس جاء عثمان فطرق الباب فقلت: من؟ قال: عثمان، يقول: فاستأذنت له، قال: ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه -ما أتت الجنة بلا ثمن هنا وإنما أتت ببلوى- يقول: فقلت له: بشرك رسولك بالجنة مع بلوى تصيبك، يقول: فقال عثمان: الله المستعان).
الله أكبر! ما أعظم هؤلاء الرجال! يقول: أستعين بالله على هذه البلوى، ما دام في المسألة جنة فأنا أستعين بالله حتى أصل الجنة، وهذه البلوى حصلت له رضي الله عنه، ذُبِح ذَبْح الشاة وهو يتلو كتاب الله والمصحف بين يديه، وكان الصحابة من حوله والعبيد عنده أربعمائة مولى بالسيوف، قالوا: والله لا يصلون إليك ونحن أحياء، قال:[من وضع سيفه فهو حر لوجه الله] فكلهم وضعوا السيوف، وما امتنع بشيء، وصبر على البلوى واقتحموا البيت ودخلوا عليه ورفعوا لحيته عن رقبته وذبحوه وسالت الدماء الزكية الطاهرة على مصحفه وهو يقرأ كتاب الله.
(ذو النورين الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وقد دخل في الأول أبو بكر والرسول ماداً رجله، وطرف إزاره منحسر عن طرف رجله، فلما دخل أبو بكر ما فعل شيئاً، ودخل عمر فما فعل شيئاً، فلما دخل عثمان كف رجله ورد إزاره، فقالت عائشة: يا رسول الله! دخل أبو بكر ثم عمر فلما دخل عثمان أصلحت إزارك! فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟) رجل ذو هيبة ووقار، يقول الصحابة فيه:[ما كان أشد هيبة ولا وقاراً منه]، رجل ألقى الله عليه من المهابة ما لا يعلمه إلا الله، وأنا أتصور هكذا وأتمنى في بعض جلسات لي وأقرأ سيرة الصحابة أرى عمر وصفاته، وأرى أبا بكر وصفاته، وأرى عثمان وصفاته، وأرى علياً وصفاته، ثم أقول في نفسي-وأسأل الله أن يحقق لنا ذلك كله أيها الإخوان-: لو دخلنا الجنة ورأيناهم أنا أقول في نفسي وأسأل الله أن يحقق فراستي في ذلك أني سوف أرى أبا بكر وسأقول: هذا أبو بكر من شكله، ومن وصفه في السنة، وعثمان أقول: وهذا عثمان من هيبته ووقاره، وعمر أقول: هذا عمر من شدته وقوته في دين الله، وأرى علياً فأقول: هذا علي لماذا؟ لأنه جاءت السنة بهذا، فـ عثمان رضي الله عنه أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأن بلوى تصيبه وقد تحققت وصبر رضي الله عنه، وهذه فائدة من فوائد علامات الساعة.